للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَا تَقَدَّمَ لَهُ فِي الرَّسْمِ الْمَذْكُورِ.

وَلَا أَعْرِفُ نَصَّ خِلَافٍ فِي أَنَّ هِبَةَ الْوَارِثِ لِمِيرَاثِهِ فِي مَرَضِ الْمَوْرُوثِ جَائِزَةٌ، وَهُوَ بَيِّنٌ مِنْ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَنَصُّ مَا فِي رَسْمِ الْأَقْضِيَةِ وَالْحَبْسِ مِنْ سَمَاعِ أَصْبَغَ مِنْ كِتَابِ الصَّدَقَاتِ وَالْهِبَاتِ؛ لِأَنَّهُ قَالَ فِيهِ إنَّ ذَلِكَ يَلْزَمُهُ إلَّا أَنْ يَقُولَ: كُنْت أَظُنُّهُ يَسِيرًا لَا أَعْلَمُ أَنَّهُ يَبْلُغُ هَذَا الْقَدْرَ وَشِبْهُ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ فَيَحْلِفُ عَلَى ذَلِكَ وَلَا يَلْزَمُهُ وَمِثْلُهُ لِمَالِكٍ فِي الْمُوَطَّإِ؛ لِأَنَّهُ قَالَ فِيهِ إنَّ الْمَيِّتَ إذَا قَالَ لِبَعْضِ وَرَثَتِهِ إنَّ فُلَانًا لِأَحَدٍ مِنْ وَرَثَتِهِ ضَعِيفٌ، وَقَدْ أَحْبَبْت أَنْ تَهَبَ لِي مِيرَاثَك فَأَعْطَاهُ إيَّاهُ أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ إذَا سَمَّاهُ لَهُ الْمَيِّتُ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَهَبَ أَحَدُ الْوَرَثَةِ مِيرَاثَهُ لِمَنْ سِوَاهُ مِنْ الْوَرَثَةِ، أَوْ لِأَجْنَبِيٍّ مِنْ النَّاسِ وَلَا بَيْنَ أَنْ يُسَمِّيَهُ لَهُ الْمَيِّتُ، أَوْ لَا يُسَمِّيَهُ لَهُ وَمَا فِي رَسْمِ نَقَدَهَا مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الصَّدَقَاتِ وَالْهِبَاتِ مُحْتَمِلٌ لِلتَّأْوِيلِ عَلَى مَا سَنَذْكُرُهُ إذَا مَرَرْنَا بِهِ.

وَمِنْ النَّاسِ مَنْ ذَهَبَ إلَى أَنَّ هِبَةَ الْوَارِثِ لِمِيرَاثِهِ فِي مَرَضِ الْمَوْرُوثِ لَا تَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ وَهَبَ مَا لَمْ يَمْلِكْ بَعْدُ عَلَى مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ مِنْ أَنَّ الْمَرِيضَ إذَا اسْتَأْذَنَ بَعْضَ وَرَثَتِهِ فِي أَنْ يُوصِيَ لِبَعْضِهِمْ فَأَذِنُوا لَهُ لَزِمَهُمْ إذَا لَمْ يُحْكَمْ لَهُ بِحُكْمِ الْمَالِكِ لِلْمِيرَاثِ فِي الْمَرَضِ، وَإِنَّمَا كَانَ لَهُ التَّحْجِيرُ عَلَى مُوَرِّثِهِ، فَإِذَا رَفَعَ عَنْهُ التَّحْجِيرَ بِالْإِذْنِ لَهُ لَزِمَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَالِكًا لِلْمَالِ وَقَالَ إنَّ ذَلِكَ يَقُومُ أَيْضًا مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ فِي الْمُوَطَّإِ إنَّ الْوَارِثَ إذَا وَهَبَ لِمُوَرِّثِهِ فِي مَرَضِهِ مِيرَاثَهُ مِنْهُ فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَ فِيهِ أَنَّهُ يَرْجِعُ إلَيْهِ إذْ لَوْ أَجَازَ هِبَتَهُ لَهُ لَقَالَ إنَّهُ لَا يَكُونُ لَهُ مِنْهُ إلَّا مِيرَاثُهُ مِنْهُ. قَالَ فَكَمَا لَا تَجُوزُ لَهُ هِبَتُهُ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ لَمْ يَتَقَرَّرْ لَهُ عَلَيْهِ مِلْكٌ فَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ لِغَيْرِهِ.

لَيْسَ ذَلِكَ بِصَحِيحٍ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ أَنَّهُ إذَا وَهَبَهُ لِمُوَرِّثِهِ، فَقَدْ عُلِمَ أَنَّ الْقَصْدَ فِي ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ لِيَرْفَعَ التَّحْجِيرَ عَنْهُ فِي أَنْ يَصْرِفَهُ إلَى مَنْ أَحَبَّ مِنْ الْوَرَثَةِ إذْ لَا يَحْتَاجُ هُوَ إلَى هِبَةٍ إذَا صَحَّ وَلَا يَنْتَفِعُ بِهَا إنْ مَاتَ، فَإِذَا لَمْ يَقْضِ فِيهَا بِشَيْءٍ حَتَّى مَاتَ رَجَعَتْ إلَى الْوَاهِبِ، وَإِذَا وَهَبَ لِغَيْرِهِ، فَقَدْ مَلَّكَهُ بِالْهِبَةِ مَا وَهَبَهُ إيَّاهُ وَلَا يُقَالُ إنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ وَهَبَهُ مَا لَمْ يَمْلِكْهُ بَعْدُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْتَلِهِ الْآنَ، وَإِنَّمَا وَهَبَهُ لَهُ بِشَرْطِ مِلْكِهِ لَهُ بِمَوْتِ مُوَرِّثِهِ كَمَا قَالَ إنْ مَلَكْت فُلَانًا فَهُوَ حُرٌّ، وَإِنْ مَلَكْته فَهُوَ لِفُلَانٍ فَلَا فَرْقَ فِي وَجْهِ الْقِيَاسِ بَيْنَ صِحَّةِ الْمَوْرُوثِ وَمَرَضِهِ فِي هِبَةِ الْوَارِثِ لِمِيرَاثِهِ مِنْهُ وَالتَّفْرِقَةُ بَيْنَ الْمَرَضِ وَالصِّحَّةِ فِي ذَلِكَ اسْتِحْسَانٌ وَتَحْصُلُ عَلَى هَذَا فِي الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ الْجَوَازُ وَالْمَنْعُ فِي الْحَالَيْنِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا اهـ.

وَقَالَ فِي أَوَّلِ رَسْمٍ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الْهِبَاتِ قَالَ عِيسَى وَسُئِلَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ رَجُلٍ صَالِحٍ مَالِكٍ أَمْرَهُ تَصَدَّقَ عَلَى آخَرَ مِثْلِهِ بِمِيرَاثِهِ مِنْ أَبِيهِ إذَا مَاتَ وَالْأَبُ بَاقٍ أَيَجُوزُ لَهُ فَقَالَ لَا أَرَى أَنْ يَجُوزَ هَذَا وَلَا أَقْضِي بِهِ عَلَيْهِ، وَهُوَ أَعْلَمُ؛ لِأَنَّهُ أَمْرٌ لَا يَدْرِي قَدْرَهُ وَلَا كَمْ يَكُونُ دِينَارًا بَلْ لَا يَدْرِي مَا هُوَ، وَهُوَ أَعْلَمُ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ رُشْدٍ قَوْلُهُ لَا أَرَى أَنْ يَجُوزَ مَعْنَاهُ لَا أَرَى أَنْ يَكُونَ هَذَا عَلَيْهِ: أَيْ لَا يَلْزَمُهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>