للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مُعَرِّضًا لَهُ بِقِلَّةِ التَّحْصِيلِ فِيمَا سَأَلَ عَنْهُ وَتَوْبِيخًا لَهُ عَلَى تَرْكِ إعْمَالِ نَظَرِهِ فِي ذَلِكَ حَتَّى لَا يَسْأَلَ إلَّا فِي أَمْرٍ مُشْكِلٍ، وَهَذَا مِنْ نَحْوِ قَوْلِهِ لِابْنِ الْقَاسِمِ فِي شَيْءٍ سَأَلَهُ عَنْهُ أَنْتَ حَتَّى السَّاعَةِ هَاهُنَا تَسْأَلُ عَنْ مِثْلِ هَذَا. وَلَعَمْرِي إنَّ مِثْلَ ابْنِ الْمَاجِشُونِ فِي فَهْمِهِ وَجَلَالَةِ قَدْرِهِ لَحَرِيٌّ أَنْ يُوَبَّخَ عَلَى مِثْلِ هَذَا السُّؤَالِ؛ لِأَنَّ مَالِكًا لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ الْحُرَّةِ وَالْأَمَةِ كَمَا قَالَ، وَإِنَّمَا فَرَّقَ بَيْنَ خِيَارٍ أَوْجَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِالشَّرْعِ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلزَّوْجَاتِ الْإِمَاءِ عَلَى أَزْوَاجِهِنَّ الْعَبِيدِ بِشَرْطِ عِتْقِهِنَّ بِغَيْرِ اخْتِيَارِ أَزْوَاجِهِنَّ وَبَيْنَ خِيَارٍ اشْتَرَطَهُ الزَّوْجُ بِاخْتِيَارِهِ لِزَوْجِهِ حُرَّةً كَانَتْ، أَوْ أَمَةً الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ مَا خَيَّرَ اللَّهُ عِبَادَهُ فِيهِ عَلَى شَرْطٍ وَجَعَلَهُ شَرْعًا مَشْرُوعًا فَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يُسْقِطَ مَا أَوْجَبَهُ اللَّهُ لَهُ مِنْ الْخِيَارِ فِي ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَجِبَ لَهُ بِحُصُولِ الشَّرْطِ وَيُوجِبَ عَلَى نَفْسِهِ أَحَدَ الْأَمْرَيْنِ مِنْ الْأَخْذِ، أَوْ التَّرْكِ؛ لِأَنَّهُ إذَا فَعَلَ ذَلِكَ صَارَ مُبْطِلًا لِلشَّرْعِ الَّذِي شَرَّعَهُ اللَّهُ لِعِبَادِهِ فِي حَقِّهِ وَذَلِكَ مِمَّا لَا يَجُوزُ وَلَا يَلْزَمُ.

أَلَا تَرَى لَوْ أَنَّ رَجُلًا غَنِيًّا قَالَ أُشْهِدُكُمْ أَنِّي إنْ افْتَقَرْت فَلَا آخُذُ مِنْ الصَّدَقَاتِ الَّتِي أَبَاحَهَا اللَّهُ لِلْفُقَرَاءِ شَيْئًا، أَوْ إنْ افْتَقَرْت فَأَنَا آخُذُ مَا أَوْجَبَ اللَّهُ لِي مِنْ الْحَقِّ فِيهَا ثُمَّ افْتَقَرَ لَمْ يُحَرَّمْ عَلَيْهِ الْأَخْذُ إنْ أَرَادَ أَنْ يَأْخُذَ وَلَا يَلْزَمُهُ الْأَخْذُ إنْ أَرَادَ أَنْ لَا يَأْخُذَ وَكَانَ مُخَيَّرًا بَيْنَ الْأَخْذِ وَالتَّرْكِ عَلَى حُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى فِي الشَّرْعِ وَمَا أَوْجَبَهُ الزَّوْجُ لِزَوْجَتِهِ عَلَى نَفْسِهِ الْخِيَارُ فِي نَفْسِهَا بِشَرْطٍ بِخِلَافِ ذَلِكَ يَجِبُ إذَا اخْتَارَتْ نَفْسَهَا، أَوْ زَوْجَهَا قَبْلَ حُصُولِ الشَّرْطِ بِشَرْطِ حُصُولِهِ أَنْ يَلْزَمَهَا ذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا إنْ اخْتَارَتْ زَوْجَهَا فَهُوَ حَقٌّ لَهَا تَرَكَتْهُ إذْ لَا يَلْزَمُهَا قَبُولُ مَا أَعْطَاهَا زَوْجُهَا، وَإِنْ اخْتَارَتْ نَفْسَهَا جَازَ ذَلِكَ عَلَيْهَا، وَعَلَى زَوْجِهَا، وَلَمْ يَكُنْ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي ذَلِكَ رُجُوعٌ؛ لِأَنَّهُ طَلَاقٌ قَدْ وَقَعَ عَلَى صِفَةٍ يَلْزَمُ بِحُصُولِهَا إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ: امْرَأَتِي طَالِقٌ إنْ كَانَ كَذَا وَكَذَا، أَوْ تَقُولَ هِيَ إذَا مَلَكْت الطَّلَاقَ بِشَرْطٍ أَنَا طَالِقٌ إنْ كَانَ كَذَا وَكَذَا لِذَلِكَ الشَّرْطِ، وَهَذَا بَيِّنٌ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ اهـ. مِنْ أَوَّلِ سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ كِتَابِ الْإِيلَاءِ، وَقَدْ تَكَرَّرَ سَمَاعُ أَشْهَبَ فِي هَذَا الْكِتَابِ مَرَّتَيْنِ فِي النُّسْخَةِ الَّتِي وَقَفْت عَلَيْهَا مِنْ الْبَيَانِ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي أَوَّلِ سَمَاعِ أَشْهَبَ الثَّانِي.

وَذَكَرَ ابْنُ عَرَفَةَ أَوَّلَ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ وَقَالَ بَعْدَهُ سَمِعْت فِي صِغَرِي وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَحْكِي عَنْ بَعْضِ الشُّيُوخِ وَأَظُنُّهُ شَيْخَهُ الشَّيْخَ الْفَقِيهَ أَبَا يَحْيَى بْنَ جَمَاعَةَ، أَوْ الشَّيْخَ الْخَطِيبَ أَبَا مُحَمَّدٍ الْبَرْجِينِيَّ أَنَّ قَوْلَهُ أَتَعْرِفُ دَارَ قُدَامَةَ تَعْرِيضٌ لَهُ بِتَقَدُّمِ دُخُولٍ كَانَ لِابْنِ الْمَاجِشُونِ لِدَارِ قُدَامَةَ، فَإِنَّهُ بِهِ عِلْمُ مَا سَأَلَ عَنْهُ مِنْ الْفَرْقِ وَنَحْوُ هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ قَوْلُ عِيَاضٍ قَالَ ابْنُ حَرْثٍ كَانَتْ لِابْنِ الْمَاجِشُونِ نَفْسُ أَبِيهِ كَلَّمَهُ مَالِكٌ يَوْمًا بِكَلِمَةٍ خَشِنَةٍ فَهَجَرَهُ عَامًا كَامِلًا اسْتَقْضَى عَلَيْهِ الْفَرْقَ بَيْنَ مَسْأَلَتَيْنِ فَقَالَ لَهُ أَتَعْرِفُ دَارَ قُدَامَةَ وَكَانَتْ دَارًا يَلْعَبُ فِيهَا الْأَحْدَاثُ بِالْحَمَامِ. وَقِيلَ: بَلْ عَرَّضَ لَهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>