للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْمَسْأَلَةُ فِي أَوَاخِرِ نَوَازِلِ سَحْنُونَ مِنْ كِتَابِ الدِّيَاتِ قَالَ فِي الْبَيَانِ وَفِيهَا ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ:

أَحَدُهَا: قَوْلُ سَحْنُونَ.

وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَى الْقَاتِلِ؛ لِأَنَّ الْمَقْتُولَ قَدْ عَفَا لَهُ عَنْ دَمِهِ فَسَقَطَتْ عَنْهُ تَبَاعَتُهُ، وَعَلَى الْقَوْلِ بِجَوَازِ إسْقَاطِ الْحَقِّ قَبْلَ وُجُوبِهِ.

وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ لَا يُقْتَصُّ مِنْهُ لِشُبْهَةِ عَفْوِ الْمَقْتُولِ لَهُ عَنْ دَمِهِ وَتَكُونُ عَلَيْهِ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ، وَهَذَا الْقَوْلُ أَظْهَرُ الْأَقْوَالِ اهـ.

وَذَكَرَ ابْنُ عَرَفَةَ الْأَقْوَالَ الثَّلَاثَةَ الَّتِي ذَكَرَهَا ابْنُ رُشْدٍ ثُمَّ قَالَ قُلْت فِي النَّوَادِرِ عَنْ أَبِي زَيْدٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ مِثْلَ لَفْظِ سَحْنُونَ وَقَالَ الصَّقَلِّيُّ فِي كِتَابِ الْجَعْلِ وَالْإِجَارَةِ وَرَوَى سَحْنُونٌ عَنْهُ مَنْ قَالَ لِرَجُلٍ اُقْتُلْنِي وَلَك أَلْفُ دِرْهَمٍ فَقَتَلَهُ لَا قَوَدَ عَلَيْهِ وَيُضْرَبُ مِائَةً وَيُحْبَسُ عَامًا وَلَا جَعْلَ لَهُ. وَقَالَ يَحْيَى بْنُ عُمَرَ لِلْأَوْلِيَاءِ قَتْلُهُ وَعَلَّلَهُ بِمَا تَقَدَّمَ.

قَالَ: وَلَوْ قَالَ اُقْتُلْ عَبْدِي وَلَك كَذَا وَكَذَا أَوْ بِغَيْرِ شَيْءٍ فَقَتَلَهُ ضُرِبَ مِائَةً وَحُبِسَ عَامًا، وَكَذَلِكَ السَّيِّدُ يُضْرَبُ وَيُحْبَسُ وَاخْتُلِفَ هَلْ يَكُونُ لَهُ عَلَى الْقَاتِلِ قِيمَةُ الْعَبْدِ أَمْ لَا؟ وَالصَّوَابُ أَنْ لَا قِيمَةَ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ قَالَ لَهُ أَحْرِقْ ثَوْبِي فَفَعَلَ فَلَا غُرْمَ عَلَيْهِ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ قُلْت مَا نَقَلَهُ الصَّقَلِّيُّ عَنْ سَحْنُونَ خِلَافُ مَا تَقَدَّمَ عَنْهُ فِي الْعُتْبِيَّةِ: وَلَمْ يَحْكِ ابْنُ رُشْدٍ عَنْهُ خِلَافَهُ.

الشَّيْخُ رَوَى ابْنُ عَبْدُوسٍ قَالَ لِرَجُلٍ اقْطَعْ يَدِي، أَوْ يَدَ عَبْدِي عُوقِبَ الْمَأْمُورُ إنْ فَعَلَ وَلَا غُرْمَ عَلَيْهِ فِي الْحُرِّ وَلَا فِي الْعَبْدِ. ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ أَصْبَغَ يَغْرَمُ قِيمَةَ الْعَبْدِ لِحُرْمَةِ الْقَتْلِ كَمَا يَلْزَمُهُ دِيَةُ الْحُرِّ إذَا قَتَلَهُ بِإِذْنِ وَلِيِّهِ اهـ.

قُلْت: وَفِي هَذَا الْأَخِيرِ سَقْطٌ وَنَصُّ مَا فِي النَّوَادِرِ وَمِنْ الْمَجْمُوعَةِ لِمَالِكٍ: وَمَنْ قَالَ لِرَجُلٍ اقْطَعْ يَدِي، أَوْ يَدَ عَبْدِي أَوْ افْقَأْ أَعْيُنَهُمَا عُوقِبَ الْمَأْمُورُ إنْ فَعَلَ وَلَا غُرْمَ عَلَيْهِ فِي الْحُرِّ وَلَا فِي عَبْدِهِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ أَصْبَغَ مَنْ أَمَرَ رَجُلًا بِقَتْلِ عَبْدِهِ فَفَعَلَ، فَإِنَّهُ يَغْرَمُ قِيمَتَهُ لِحُرْمَةِ الْقَتْلِ كَمَا تَلْزَمُهُ دِيَةُ الْحُرِّ إذَا قَتَلَهُ بِإِذْنِ وَلِيِّهِ فَعَفَا عَنْهُ وَيَلْزَمُ الْآمِرَ وَالْمَأْمُورَ ضَرْبُ مِائَةٍ وَحَبْسُ سَنَةٍ اهـ. مِنْ كِتَابِ الدِّيَاتِ.

(تَنْبِيهَاتٌ: الْأَوَّلُ) تَعْلِيلُهُمْ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ فِي مَسْأَلَةِ إنْ قَتَلْتنِي، فَقَدْ أَبْرَأْتُك بِأَنَّهُ إسْقَاطٌ لِلْحَقِّ قَبْلَ وُجُوبِهِ لَا يَتِمُّ؛ لِأَنَّهُمْ أَلْزَمُوهُ بِالْعَفْوِ فِي مَسْأَلَةِ قَطْعِ الْيَدِ وَفِيهَا أَيْضًا إسْقَاطُ الْحَقِّ قَبْلَ وُجُوبِهِ، وَلَمْ أَرَ فِيهَا خِلَافًا وَيُمْكِنُ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الْحَقَّ فِي مَسْأَلَةِ الْقَتْلِ لِلْأَوْلِيَاءِ فَهُوَ إسْقَاطٌ لِحَقِّ الْغَيْرِ بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ قَطْعِ الْيَدِ، فَإِنَّ الْحَقَّ لَهُ.

وَأَمَّا مَسْأَلَةُ قَتْلِ الْعَبْدِ، فَقَدْ تَقَدَّمَ الْخِلَافُ فِيهَا، وَأَنَّ الصَّوَابَ أَنَّهُ لَا قِيمَةَ لِلسَّيِّدِ لِشَبَهِهَا بِمَسْأَلَةِ قَطْعِ الْيَدِ وَرُوعِيَ فِي الْقَوْلِ الْآخَرِ حُرْمَةُ الْقَتْلِ كَمَا تَقَدَّمَ وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي سَمَاعِ سَحْنُونَ مِنْ كِتَابِ الْجِنَايَاتِ قَوْلُ أَصْبَغَ إغْرَامُهُ لِحُرْمَةِ الْقَتْلِ لَيْسَ بِجَيِّدٍ؛ لِأَنَّ إغْرَامَهُ الْقِيمَةَ إنَّمَا هُوَ مِنْ بَابِ الْعُقُوبَةِ فِي الْمَالِ، وَإِذَا عُوقِبَ الْقَاتِلُ بِغُرْمِ مَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ فَالسَّيِّدُ أَحَقُّ أَنْ لَا يُعْطَى الْقِيمَةَ لِجُرْمِهِ فِي الْأَمْرِ بِقَتْلِ عَبْدِهِ، وَلَوْ قَالَ أَصْبَغُ إنَّمَا أَغْرَمَهُ الْقِيمَةَ لِإِسْقَاطِهَا السَّيِّدُ قَبْلَ وُجُوبِهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>