فِي ذَلِكَ خِلَافًا وَقَالَ الْقَرَافِيُّ الْفَرْقُ الثَّالِثُ وَالثَّلَاثِينَ الْقِصَاصُ لَهُ سَبَبٌ، وَهُوَ إنْفَاذُ الْمُقَاتِلِ، وَشَرْطٌ وَهُوَ زُهُوقُ الرُّوحِ، فَإِنْ عَفَا عَنْ الْقِصَاصِ قَبْلَهُمَا لَمْ يُعْتَبَرْ عَفْوُهُ وَبَعْدَهُمَا مُتَعَذِّرٌ لِعَدَمِ الْحَيَاةِ الْمَانِعِ مِنْ التَّصَرُّفِ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا بَيْنَهُمَا فَيَنْفُذُ إجْمَاعًا فِيمَا عَلِمْت اهـ.
قُلْت: وَلَمْ أَقِفْ عَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي بِعَدَمِ اللُّزُومِ إلَّا فِيمَا حَكَاهُ فِي التَّوْضِيحِ كَمَا تَقَدَّمَ. نَعَمْ، وَقَعَ الْخِلَافُ فِيمَا إذَا صَالَحَ عَنْ الْجُرْحِ وَمَا نَزَّى إلَيْهِ وَكَانَ الْجُرْحُ مِنْ جِرَاحِ الْعَمْدِ الَّتِي فِيهَا الْقِصَاصُ فَظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ الْجَوَازُ وَنَصَّ عَلَيْهِ ابْنُ حَبِيبٍ فِي الْوَاضِحَةِ وَنَصَّ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ عَلَى الْمَنْعِ قَالَ فِي الْبَيَانِ وَالْجَوَازُ أَظْهَرُ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ لِلْمَقْتُولِ أَنْ يَعْفُوَ عَنْ دَمِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ جَازَ أَنْ يُصَالِحَ عَنْهُ بِمَا شَاءَ أَمَّا جِرَاحُ الْعَمْدِ الَّتِي لَا قِصَاصَ فِيهَا فَلَا يَجُوزُ فِيهَا الصُّلْحُ عَلَى ذَلِكَ قَالَ فِي الْبَيَانِ وَلَا أَعْرِفُ فِيهَا نَصًّا خِلَافَ مَا قَالَهُ فِي رَسْمِ أَسْلَمَ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الدِّيَاتِ وَنَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ فِي آخِرِ كِتَابِ الْجِرَاحِ قَبْلَ الْكَلَامِ عَلَى الدِّيَاتِ بِيَسِيرٍ وَيُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّ عَفْوَهُ لَازِمٌ بِلَا خِلَافٍ لِاحْتِجَاجِهِ بِهِ.
(تَنْبِيهَاتٌ: الْأَوَّلُ) كَلَامُ الْقَرَافِيُّ يَقْتَضِي أَنَّ الْعَفْوَ إنَّمَا يَلْزَمُ إذَا وَقَعَ بَعْدَ إنْفَاذِ الْمُقَاتِلِ، وَلَمْ أَرَ ذَلِكَ فِي كَلَامِ غَيْرِهِ بَلْ كَلَامُ الْمُدَوَّنَةِ وَالنَّوَادِرِ الْمُتَقَدِّمِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِشَرْطٍ؛ لِأَنَّ فَرْضَ الْمَسْأَلَةِ فِيهَا فِيمَنْ قُطِعَتْ يَدُهُ وَقَطْعُ الْيَدِ لَيْسَ مِنْ الْمُقَاتِلِ، وَكَذَا قَوْلُهُ فِي النَّوَادِرِ: وَإِذَا عَفَا الْمَجْرُوحُ عَنْ جُرْحِهِ ظَاهِرُهُ سَوَاءٌ كَانَ أَنْفَذَ الْمُقَاتِلُ، أَوْ لَمْ يُنْفِذْ، وَكَذَلِكَ عِبَارَةُ غَيْرِهِمَا مِنْ كُتُبِ الْمَذْهَبِ بَلْ عِبَارَةُ الْقَرَافِيُّ فِي الذَّخِيرَةِ كَعِبَارَةِ النَّوَادِرِ.
(الثَّانِي) لَوْ عَفَا عَنْ قَاتِلِهِ عَلَى الدِّيَةِ، أَوْ أَوْصَى أَنْ يُعْفَى عَنْ قَاتِلِهِ عَلَى الدِّيَةِ لَزِمَ وَرَثَتَهُ ذَلِكَ كَمَا يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي أَوَّلِ رَسْمٍ مِنْ سَمَاعِ أَصْبَغَ مِنْ كِتَابِ الْوَصَايَا.
(الثَّالِثُ) عَكْسُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إذَا أَوْصَى أَنْ لَا يُعْفَى عَنْ قَاتِلِهِ، وَأَنْ يُقْتَلَ فَهَلْ لِلْوَرَثَةِ أَنْ يُخَالِفُوا وَيَعْفُوا وَيَأْخُذُوا الدِّيَةَ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ تَوَقَّفَ فِي ذَلِكَ أَبُو عِمْرَانَ وَقَالَ اللَّخْمِيُّ قَالَ أَصْبَغُ فِي كِتَابِ ابْنِ حَبِيبٍ إنْ ثَبَتَ الْقَتْلُ بِبَيِّنَةٍ لَمْ يَكُنْ لِلْأَوْلِيَاءِ أَنْ يَعْفُوا، وَإِنْ ثَبَتَ بِقَسَامَةٍ مِنْهُمْ كَانَ لَهُمْ الْعَفْوُ لِإِمْكَانِ أَنْ يَكُونَ عَفْوُهُمْ لِشُبْهَةٍ دَخَلَتْ عَلَيْهِمْ فِي إيمَانِهِمْ اهـ.
قُلْت: الْمَسْأَلَةُ مَنْصُوصَةٌ فِي النَّوَادِرِ ذَكَرَ فِيهَا قَوْلَيْنِ قَالَ قَالَ أَشْهَبُ فِيمَنْ قَالَ دَمِي عِنْدَ فُلَانٍ فَاقْتُلُوهُ وَلَا تَقْبَلُوا مِنْهُ دِيَةً فَأَرَادَ الْوَرَثَةُ أَخْذَ الدِّيَةِ فَلَيْسَ لَهُمْ ذَلِكَ، وَإِنْ أَقْسَمُوا ثُمَّ عَفَا بَعْضُهُمْ لَمْ يَجُزْ عَفْوُهُ، وَإِنْ نَكَلَ بَعْضُهُمْ فَلَا قَسَامَةَ فِيهِ حَتَّى يُقْسِمُوا جَمِيعًا ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ عَنْ أَصْبَغَ مَا ذَكَرَهُ اللَّخْمِيُّ عَنْ أَصْبَغَ.
(الرَّابِعُ) قَالَ فِي النَّوَادِرِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ قَالَ أَصْبَغُ مَنْ قُتِلَ عَمْدًا فَوَكَّلَ رَجُلًا فَوَّضَ إلَيْهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute