للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَضْمُونًا عَلَى الْمُشْتَرِي كَمَا قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ وَابْنُ رُشْدٍ لَمْ يَجُزْ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَبِيعَهَا وَيَأْتِيَ بِأُخْرَى تُرْضِعُ الصَّبِيَّ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الْأُمِّ وَوَلَدِهَا فَتَأَمَّلْهُ.

وَفِي كَلَامِ ابْنِ عَرَفَةَ فِي الْكَلَامِ عَلَى التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الْأُمِّ وَوَلَدِهَا مَا يَقْتَضِي ذَلِكَ حَتَّى فِي غَيْرِ الْأَمَةِ كَمَا تَقَدَّمَتْ الْإِشَارَةُ إلَى ذَلِكَ فِي الْبَابِ الْأَوَّلِ.

(تَنْبِيهَاتٌ: الْأَوَّلُ) وَقَعَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي السَّمَاعِ الْمَذْكُورِ مِنْ غَيْرِ بَيَانِ كَوْنِ الصَّبِيِّ حُرًّا أَوْ رَقِيقًا فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ هَذَا وَهْمٌ مِنْ مَالِكٍ، أَوْ أَمْرٌ رَجَعَ عَنْهُ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّفْرِقَةِ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إنَّ الْوَلَدَ حُرٌّ، وَكَذَلِكَ قَالَ فِيهَا فِي آخِرِ الْبُيُوعِ الْفَاسِدَةِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ، وَعَلَى ذَلِكَ أَجَابَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَالْوَاهِمُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِيمَا حَمَلَ عَلَيْهِ الْمَسْأَلَةَ وَنَسَبَ مَالِكًا إلَى الْوَهْمِ فِيهِ.

وَمَعْنَى الْمَسْأَلَةِ أَنَّ رَبَّ الْأَمَةِ أَعْتَقَ وَلَدَهَا ثُمَّ بَاعَهَا، وَلَمْ يَبْقَ مِنْ أَمْرِ رَضَاعِهِ إلَّا سَنَةٌ فَأَجَازَ لَهُ أَنْ يَشْتَرِطَ بَقِيَّةَ رَضَاعِهِ عَلَى الْمُشْتَرِي.

(الثَّانِي) قَالَ سَحْنُونٌ لَا أَدْرِي لِمَ جَوَّزَ مَالِكٌ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ، وَهُوَ لَا يُجِيزُ أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَى الْمُرْضِعَةِ إنْ مَاتَ الْوَلَدُ أَنْ يَأْتِيَ بِغَيْرِهِ وَلَكِنَّهَا مَسْأَلَةُ ضَرُورَةٍ يَعْنِي مَسْأَلَةَ الْأَمَةِ قَالَ ابْنُ يُونُسَ الْفَرْقُ عِنْدِي بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ أَنَّ الْغَرَرَ فِي مَسْأَلَةِ بَيْعِ الْأَمَةِ تَابِعٌ؛ لِأَنَّهُ انْضَافَ إلَى أَصْلٍ جَائِزٍ، وَهُوَ بَيْعُ الْأُمِّ وَالْغَرَرُ فِي مَسْأَلَةِ بَيْعِ الظِّئْرِ مُنْفَرِدٌ فَلَمْ يَجُزْ كَقَوْلِ مَالِكٍ فِي بَيْعِ لَبَنِ شَاةٍ جُزَافًا فِي شَهْرٍ إنَّهُ لَا يَجُوزُ وَأَجَازَ كِرَاءَ نَاقَةٍ شَهْرًا وَاسْتِثْنَاءَ حِلَابِهَا فَالْغَرَرُ إذَا انْفَرَدَ يُمْنَعُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ تَبَعًا وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى عَنْ بَيْعِ الثِّمَارِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا» وَقَالَ مَنْ بَاعَ نَخْلًا وَفِيهَا تَمْرٌ مُؤَبَّرٌ فَثَمَرُهَا لِلْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُ الْمُبْتَاعُ فَكَانَ لِلْمُشْتَرِي اشْتِرَاطُهُ إذَا انْضَافَ إلَى الْأَصْلِ وَمُنِعَ مِنْ بَيْعِهِ إذَا انْفَرَدَ، وَقَدْ أَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى بَيْعِ الْجُبَّةِ الْمَحْشُوَّةِ، وَلَمْ يُرَ قُطْنُهَا وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ قُطْنِهَا مُفْرَدًا، وَهُوَ مَحْشُوٌّ فِيهَا اهـ.

(الثَّالِثُ) تَقَدَّمَ فِي الْبَابِ الْأَوَّلِ أَنَّ ابْنَ رُشْدٍ جَعَلَ نَفَقَةَ الصَّغِيرِ كَالدَّيْنِ لَا تَبْطُلُ بِالْفَلَسِ وَتُقَدَّمُ عَلَى الْوَصَايَا وَيُحَاصُّ الْغُرَمَاءُ بِمَبْلَغِ نَفَقَتِهِ الْوَاجِبَةِ لَهُ عَلَيْهِ لِعِتْقِهِ إيَّاهُ، وَهُوَ صَغِيرٌ.

(فَرْعٌ) قَالَ مَالِكٌ فِي رَسْمِ سِلْعَةٍ سَمَّاهَا مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ جَامِعِ الْبُيُوعِ لَا بَأْسَ بِبَيْعِ نِصْفِ الْأَمَةِ أَوْ الدَّابَّةِ عَلَى أَنَّ عَلَى الْمُشْتَرِي نَفَقَتَهَا سَنَةً، وَأَنَّهُ إنْ مَاتَتْ، أَوْ بَاعَهَا فَذَلِكَ لَهُ ثَابِتٌ عَلَى الْمُشْتَرِي قَالَ ابْنُ رُشْدٍ وَقَعَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى نَصِّهَا فِي هَذَا السَّمَاعِ مِنْ كِتَابِ السُّلْطَانِ وَوَصَلَ بِهَا أَنَّ سَحْنُونًا أَنْكَرَهَا.

وَالْمَعْنَى عِنْدِي فِي مُخَالَفَةِ سَحْنُونَ لِمَالِكٍ أَنَّ مَالِكًا حَمَلَ قَوْلَهُ إنْ مَاتَتْ الدَّابَّةُ فَطَعَامُهَا لَهُ ثَابِتٌ عَلَى أَنَّهُ يَأْتِيهِ فِي كُلِّ يَوْمٍ مِنْ الطَّعَامِ بِمَا كَانَ يُنْفِقُ عَلَيْهَا إلَى أَنْ تَنْقَضِيَ السَّنَةُ فَأَجَازَ ذَلِكَ إذْ لَا وَجْهَ لِلْكَرَاهَةِ فِيهَا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ؛ لِأَنَّهُ بَاعَ نِصْفَ الْأَمَةِ، أَوْ الدَّابَّةِ بِثَمَنٍ مُسَمًّى

<<  <  ج: ص:  >  >>