تَنْبِيهَاتٌ: الْأَوَّلُ) إذَا شَرَطَ الْمُعِيرُ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ الضَّمَانَ فِيمَا يُغَابُ عَلَيْهِ مَعَ قِيَامِ الْبَيِّنَةِ فَجَعَلَهَا ابْنُ رُشْدٍ فِي الْمُقَدِّمَاتِ وَفِي سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ كِتَابِ تَضْمِينِ الصُّنَّاعِ كَمَا إذَا شَرَطَ الْمُعِيرُ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ الضَّمَانَ فِيمَا لَا يُغَابُ عَلَيْهِ وَجَمَعَهُمَا وَقَالَ قَوْلُ مَالِكٍ وَجَمِيعِ أَصْحَابِهِ الشَّرْطُ بَاطِلٌ.
قُلْت: وَفِي عَزْوِهِ بُطْلَانَ الشَّرْطِ لِجَمِيعِ أَصْحَابِ مَالِكٍ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ أَشْهَبَ يَقُولُ: إنَّ ضَمَانَ مَا يُغَابُ عَلَيْهِ مِنْ الْمُسْتَعِيرِ، وَلَوْ قَامَتْ الْبَيِّنَةُ وَلَوْ لَمْ يَشْتَرِطْ الْمُعِيرُ الضَّمَانَ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ فَكَيْفَ إذَا شَرَطَهُ عَلَيْهِ.
(الثَّانِي) حُكْمُ الرَّهْنِ كَالْعَارِيَّةِ قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ فِي سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ كِتَابِ تَضْمِينِ الصُّنَّاعِ وَنَصُّهُ إذَا شَرَطَ الْمُعِيرُ، أَوْ الرَّاهِنُ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ، أَوْ الْمُرْتَهِنِ الضَّمَانَ فِيمَا لَا يُغَابُ عَلَيْهِ مِنْ الْحَيَوَانِ، أَوْ مَعَ قِيَامِ الْبَيِّنَةِ فِيمَا يُغَابُ عَلَيْهِ لِقَوْلِ مَالِكٍ وَجَمِيعِ أَصْحَابِهِ إنَّ الشَّرْطَ بَاطِلٌ حَاشَا مُطَرِّفًا وَذَكَرَ نَحْوَ مَا تَقَدَّمَ، وَلَمْ يَذْكُرْ مَسْأَلَةَ الرَّهْنِ فِي الْمُقَدِّمَاتِ. قُلْت: وَفِيهِ مِنْ الْبَحْثِ مَا تَقَدَّمَ فِي مَسْأَلَةِ الْعَارِيَّةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(الثَّالِثُ) قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي الْمُقَدِّمَاتِ فِي كِتَابِ الْعَارِيَّةِ وَفِي سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ كِتَابِ تَضْمِينِ الصُّنَّاعِ وَيَنْبَغِي إذَا شَرَطَ الْمُعِيرُ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ الضَّمَانَ فِيمَا لَا يُغَابُ عَلَيْهِ فَأَبْطَلَ الشَّرْطَ بِالْحُكْمِ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ أَنْ يُلْزَمَ إجَارَةَ الْمِثْلِ فِي اسْتِعْمَالِهِ الْعَارِيَّةَ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ يُخْرِجُ الْعَارِيَّةَ عَنْ حُكْمِهَا وَسُنَّتِهَا إلَى بَابِ الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ أَنَّ رَبَّ الدَّابَّةِ لَمْ يَرْضَ أَنْ يُعِيرَهُ إيَّاهَا إلَّا بِشَرْطِ أَنْ يُحَرِّزَهَا فِي ضَمَانِهِ فَهُوَ عِوَضٌ مَجْهُولٌ يُرَدُّ إلَى الْمَعْلُومِ اهـ.
وَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ رُشْدٍ بَحْثًا. نَقَلَهُ اللَّخْمِيُّ عَنْ أَشْهَبَ وَجَعَلَهُ خِلَافَ مَذْهَبِ الْمُدَوَّنَةِ وَنَصُّهُ فِي كِتَابِ الْعَارِيَّةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي كِتَابِ الرَّهْنِ فِيمَنْ اسْتَعَارَ دَابَّةً عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ مُصَدَّقٍ فِي تَلَفِهَا شَرْطُهُ بَاطِلٌ يُرِيدُ أَنَّهَا تَمْضِي عَلَى حُكْمِ الْعَارِيَّةِ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَلَا أَجْرَ وَقَالَ أَشْهَبُ عَلَيْهِ إجَارَةُ الْمِثْلِ فِيمَا اسْتَعْمَلَهَا فِيهِ وَرَآهَا إجَارَةً فَاسِدَةً، فَعَلَى قَوْلِهِ يُرَدُّ قَبْلَ الِاسْتِعْمَالِ.
وَيَجْرِي فِيهَا قَوْلٌ ثَالِثٌ أَنَّ الْمُعِيرَ قَبْلَ الِاسْتِعْمَالِ بِالْخِيَارِ، فَإِنْ أَسْقَطَ شَرْطَهُ وَإِلَّا رُدَّتْ، فَإِنْ فَاتَتْ بِالِاسْتِعْمَالِ لَمْ يَغْرَمْ شَيْئًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ عَلَى إجَارَةٍ، وَإِنَّمَا هُوَ وَاجِبُ مَنَافِعَ وَالضَّيَاعُ تَارَةً يَكُونُ، أَوْ لَا يَكُونُ وَالسَّلَامَةُ أَغْلَبُ فَكَانَ حَمْلُهُ عَلَى الْمَعْرُوفِ أَوْلَى.
وَقَوْلٌ رَابِعٌ إنَّهَا مَضْمُونَةٌ كَمَا شَرَطَ؛ لِأَنَّهُ الْوَاجِبُ فِي أَحَدِ قَوْلَيْ مَالِكٍ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ، فَقَدْ دَخَلَا عَلَى الْتِزَامِ أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ اهـ. وَنَقَلَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ فِي كِتَابِ الْعَارِيَّةِ كَلَامَ ابْنِ رُشْدٍ وَاللَّخْمِيِّ وَجَعَلَ كَلَامَ ابْنِ رُشْدٍ مُخَالِفًا لِلْمُدَوَّنَةِ.
(فَرْعٌ) إذَا شَرَطَ رَبُّ الْوَدِيعَةِ عَلَى الْمُودَعِ أَنْ يَضْمَنَهَا إذَا ضَاعَتْ فَشَرْطُهُ بَاطِلٌ كَمَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ ابْنِ يُونُسَ؛ لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِأَصْلِ سُنَّةِ الْوَدِيعَةِ وَصَرَّحَ بِذَلِكَ الشَّيْخُ خَلِيلٌ فِي مُخْتَصَرِهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute