دَنَانِيرَ بَعْدَ الْعِتْقِ وَاخْتُلِفَ هَلْ لَهُ أَنْ يُلْزِمَ ذَلِكَ الْعَبْدَ، وَإِنْ كَرِهَ فَقَالَ مَالِكٌ ذَلِكَ لَهُ، وَهُوَ قَوْلُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ.
وَاخْتُلِفَ فِيهِ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ: فَإِذَا أَعْتَقَ أَمَةً وَاشْتَرَطَ عَلَيْهَا دَنَانِيرَ بِرِضَاهَا، أَوْ أَلْزَمَهَا إيَّاهَا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ لَهُ ذَلِكَ جَازَ مَا قَالَ سَحْنُونٌ مِنْ أَنْ يَسْتَأْجِرَهَا عَلَى الرَّضَاعِ بِأُجْرَةٍ ثَابِتَةٍ فِي ذِمَّتِهِ، فَإِذَا وَجَبَتْ لَهَا أُجْرَةٌ بِانْقِضَاءِ أَمَدِ الرَّضَاعِ قَاصَّهَا بِذَلِكَ فِيمَا لَهُ عَلَيْهَا مِنْ الدَّنَانِيرِ الَّتِي اشْتَرَطَهَا عَلَيْهَا اهـ.
قُلْت: وَإِنَّمَا قَالَ يَسْتَأْجِرُهَا بِدَنَانِيرَ وَيُقَاصُّهَا، وَلَمْ يَقُلْ يَسْتَأْجِرُهَا بِتِلْكَ الدَّنَانِيرِ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى فَسْخِ الدَّيْنِ فِي الدِّين عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَرْعٌ) قَالَ فِي النَّوَادِرِ: وَمَنْ قَالَ لِعَبْدِهِ أَعْتَقْتُك عَلَى أَنْ لَا تُفَارِقَنِي كَانَ حُرًّا وَشَرْطُهُ بَاطِلٌ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِنْ قَالَ أَنْتَ حُرٌّ وَاحْمِلْ هَذَا الْعَمُودَ فَهُوَ حُرٌّ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَقُولَ: أَنْتَ حُرٌّ عَلَى أَنْ تَخْدُمَنِي سَنَةً، وَلَمْ يُعَجِّلْ الْحُرِّيَّةَ قَبْلَ الْخِدْمَةِ فَذَلِكَ عَلَيْهِ اهـ.
قَالَ فِي كِتَابِ الْعِتْقِ الثَّانِي مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَمَنْ أَعْتَقَ أَمَةً عَلَى أَنْ يَنْكِحَهَا، أَوْ تَنْكِحَ فُلَانًا فَامْتَنَعَتْ فَهِيَ حُرَّةٌ وَلَا يَلْزَمُهَا النِّكَاحُ إلَّا أَنْ تَشَاءَ، وَكَذَلِكَ إنْ قَالَ رَجُلٌ لِرَجُلٍ لَك عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ عَلَى أَنْ تَعْتِقَ أَمَتَك وَتُزَوِّجَنِيهَا فَأَعْتَقَهَا فَهِيَ حُرَّةٌ وَلَهَا أَنْ لَا تَنْكِحَهُ وَالْأَلْفُ لَازِمَةٌ لِلرَّجُلِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ، وَعَلَى مَسْأَلَةِ عِتْقِهَا عَلَى إسْقَاطِ حَضَانَتِهَا فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةَ عَشْرَ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ مِنْ الْخَاتِمَةِ.
(فَرْعٌ) قَالَ فِي كِتَابِ الْمُدَبَّرِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَلَا بَأْسَ أَنْ تَأْخُذَ مَالًا عَلَى أَنْ تَعْتِقَ مُدَبَّرَك وَوَلَاؤُهُ لَك وَلَا أُحِبُّ أَنْ تَبِيعَهُ مِمَّنْ يُعْتِقُهُ اهـ. قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ اُنْظُرْ قَوْلَهُ لَا أُحِبُّ هَلْ هُوَ عَلَى بَابِهِ أَمْ لَا وَنَقَلَهُ ابْنُ يُونُسَ بِلَفْظِ لَا يَجُوزُ أَنْ تَبِيعَهُ قَالَ سَحْنُونٌ وَعُمَرُ بْنُ شُعَيْبٍ لَا يُبَاعُ إلَّا مِنْ نَفْسِهِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ كَبَيْعِ الْعُمْرَى مِنْ الْمُعَمَّرِ لِتَخْلُصَ الرَّقَبَةُ لَهُ فَكَذَلِكَ الْمُدَبَّرُ إذَا اشْتَرَى نَفْسَهُ فَكَأَنَّهُ اشْتَرَى مَا لِلسَّيِّدِ عَلَيْهِ مِنْ الْخِدْمَةِ لِتَخْلُصَ لَهُ رَقَبَتُهُ.
(فَرْعٌ) قَالَ فِي كِتَابِ الْمُكَاتَبِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَمَنْ كَاتَبَ أَمَتَهُ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ نَجْمُهَا عَلَيْهَا عَلَى أَنْ يَطَأَهَا مَا دَامَتْ فِي الْكِتَابَةِ بَطَلَ الشَّرْطُ وَجَازَتْ الْكِتَابَةُ، وَكَذَا إنْ أَعْتَقَ أَمَةً إلَى أَجَلٍ عَلَى أَنْ يَطَأَهَا، أَوْ شَرَطَ عَلَى الْمُكَاتَبَةِ أَنَّ مَا وَلَدَتْ فِي كِتَابَتِهَا فَهُوَ عَبْدٌ فَالشَّرْطُ بَاطِلٌ وَالْعِتْقُ نَافِذٌ إلَى أَجَلِهِ وَلَا تَنْفَسِخُ الْكِتَابَةُ كَمَا لَا أَفْسَخُهَا مِنْ عَقْدِ الْغَرَرِ كَمَا أَفْسَخَ بِهِ الْبَيْعَ وَكُلُّ وَلَدٍ حَدَثَ لِلْمُكَاتَبَةِ بَعْدَ الْكِتَابَةِ فَهُوَ بِمَنْزِلَتِهَا يُرَقُّ بِرِقِّهَا وَيُعْتَقُ بِعِتْقِهَا، وَإِنْ كَاتَبَهَا، أَوْ أَعْتَقَهَا وَاشْتَرَطَ جَنِينَهَا بَطَلَ الشَّرْطُ وَتَمَّ الْعِتْقُ اهـ. وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى مَسْأَلَةِ مَنْ الْتَزَمَ عَدَمَ الرُّجُوعِ عَنْ وَصِيَّتِهِ فِي الْبَابِ الْأَوَّلِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَحْدَهُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا.
وَقَدْ انْتَهَى الْكَلَامُ عَلَى مَا حَرَّرْته مِنْ مَسَائِلِ الِالْتِزَامِ وَانْتَجَزَ الْغَرَضُ الَّذِي قَصَدْته فِيهِ مِنْ بَيَانِ الْأَنْوَاعِ وَالْأَقْسَامِ فَجَاءَ بِحَمْدِ اللَّهِ كِتَابًا مُفِيدًا فِي بَابِهِ عَظِيمَ النَّفْعِ لِمَنْ أَمْعَنَ النَّظَرَ فِيهِ مِنْ طُلَّابِهِ جَمَعْت فِيهِ فَوَائِدَ عَدِيدَةً وَتَحْقِيقَاتٍ مُفِيدَةً وَسَفَرْت فِيهِ عَنْ نُكَتٍ تُسْتَغْرَبُ وَتُسْتَبْدَعُ وَأَوْضَحْت فِيهِ مُشْكِلَاتٍ لَيْسَ لَهَا فِي كَثِيرٍ مِنْ الْمُصَنَّفَاتِ مَوْرِدٌ وَلَا مُشَرِّعٌ فَنَحْمَدُهُ عَلَى مَا مَنَّ بِهِ مِنْ إلْهَامِ هَذَا التَّصْنِيفِ وَإِتْمَامِهِ عَلَى هَذَا الْوَضْعِ وَالتَّرْصِيفِ وَنَسْأَلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَنْ يُسَهِّلَ تَحْرِيرَهُ وَإِتْقَانَهُ، وَأَنْ يَعْصِمَنَا فِيهِ مِنْ الْخَطَأ وَالزَّلَلِ، وَأَنْ لَا يُؤَاخِذَنَا بِالتَّصَنُّعِ فِي الْقَوْلِ وَالْعَمَلِ، وَهَذَا آخِرُ مَا جَرَى بِهِ الْقَلَمُ مِنْ مُؤَلِّفِ هَذَا الْكِتَابِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحِبَهُ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا.
(مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ الْتَزَمَ نَفَقَةَ يَتِيمٍ ذِي مَالٍ سَنَةً، وَأَنْفَقَ عَلَيْهِ شَهْرًا وَتَرَكَ فَهَلْ يُقْضَى عَلَيْهِ بِبَاقِي السَّنَةِ.
فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ. نَعَمْ، يُقْضَى عَلَيْهِ بِالْإِنْفَاقِ