مِنْ حَيْثُ تَعَلُّقُهُ بِمَا لَوْ فَعَلَ فِعْلًا يَسْتَحِقُّ فَاعِلُهُ الْمَدْحَ وَتَارِكُهُ الذَّمَّ يُسَمَّى أَمْرًا وَبِالْعَكْسِ نَهْيًا وَعَلَى هَذَا الْقِيَاسِ وَلَا يَكُونُ هَذَا تَنَوُّعًا كَالْعِلْمِ يَتَعَلَّقُ بِالْمَعْلُومَاتِ الْمُخْتَلِفَةِ وَلَا يَصِيرُ بِاعْتِبَارِهَا أَنْوَاعًا مُتَعَدِّدَةً وَكَذَا الْقُدْرَةُ انْتَهَى. وَعَلَى هَذَا الْمَذْهَبِ مَشَى السَّعْدُ فِي شَرْحِ النَّسَفِيَّةِ حَيْثُ قَالَ فَإِنْ قِيلَ هَذِهِ الْأَقْسَامُ لَا يُعْقَلُ وُجُودُهُ بِدُونِهَا قُلْنَا مَمْنُوعٌ بَلْ إنَّمَا يَصِيرُ أَحَدُ تِلْكَ الْأَقْسَامِ عِنْدَ التَّعَلُّقَاتِ، وَذَلِكَ فِيمَا لَا يَزَالُ وَأَمَّا فِي الْأَزَلِ فَلَا انْقِسَامَ أَصْلًا انْتَهَى.
قَالَ ابْنُ أَبِي شَرِيفٍ فِي حَوَاشِيهِ عَلَيْهِ جَرَى الشَّارِحُ يَعْنِي السَّعْدَ عَلَى مَا ذَهَبَ إلَيْهِ ابْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ أَحَدُ أَئِمَّةِ أَهْلِ السُّنَّةِ قَبْلَ الْأَشْعَرِيِّ وَهُوَ أَنَّهُ تَنَوُّعُ الْكَلَامِ يَحْدُثُ عَنْهُ حُدُوثَ التَّعَلُّقَاتِ التَّنْجِيزِيَّةِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ مَذْهَبِهِ وَمَذْهَبِ الْأَشْعَرِيَّةِ أَنَّهُ يَعْتَبِرُ فِي التَّنَوُّعِ التَّعَلُّقَاتِ الْحَادِثَةَ وَهُمْ يَعْتَبِرُونَ التَّعَلُّقَاتِ الْأَزَلِيَّةَ انْتَهَى.
وَقَالَ الْخَيَّالِيُّ فِي حَوَاشِيهِ عَلَيْهِ قَوْلُهُ أَيْ السَّعْدِ وَذَلِكَ فِيمَا لَا يَزَالُ هَذَا مَذْهَبُ الْأَشَاعِرَةِ وَالْجَوَابُ أَنَّ عَدَمَ وُجُودِهِ بِدُونِهَا إنَّمَا هُوَ بِحَسَبِ التَّعَلُّقَاتِ الْأَزَلِيَّةِ قِفْ عَلَى كَلَامِهِ وَالْمَسْأَلَةُ طَوِيلَةُ الذَّيْلِ انْتَهَى كَلَامُ الْيُوسِيِّ، ثُمَّ نُقِلَ عَنْ الْفِهْرِيِّ أَنَّ الْمُعْتَزِلَةَ لَمَّا نَفَتْ الْكَلَامَ النَّفْسِيَّ الْأَزَلِيَّ وَاحْتَجُّوا عَلَى ذَلِكَ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ أَزَلِيًّا لَكَانَ فِي الْأَزَلِ أَمْرٌ وَنَهْيٌ بِلَا مَأْمُورٍ وَلَا مُنْهًى وَهُوَ عَبَثٌ.
أَجَابَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ وَالْقَلَانِسِيُّ عَنْ هَذِهِ الشُّبْهَةِ بِأَنَّ لِلَّهِ تَعَالَى كَلَامًا أَزَلِيًّا لَا يَتَّصِفُ بِكَوْنِهِ أَمْرًا وَلَا نَهْيًا وَلَا خَبَرًا إلَّا عِنْدَ وُجُودِ الْمَأْمُورِ وَالْمَنْهِيِّ وَالْمُخْبَرِ ثُمَّ اسْتَشْكَلَهُ بِنَحْوِ مَا تَقَدَّمَ.
وَأَجَابَ كَذَلِكَ وَقَالَ الْعُكَارِيُّ خَصَّ ابْنُ سَعِيدٍ لِتَرَدُّدِ النَّقْلِ عَنْهُ وَإِلَّا فَالْخِلَافُ لِغَيْرِهِ أَيْضًا فَتَحَصَّلَ أَنَّ الْخِلَافَ فِي الْمَسْأَلَةِ لِأَهْلِ السُّنَّةِ وَأَنَّ زَعْمَ الزَّاعِمِ بَاطِلٌ وَأَنَّهُ يَسْتَحِقُّ الْأَدَبَ الشَّدِيدَ كَيْ يَنْزَجِرَ عَنْ التَّجَارِي وَيَرْجِعَ لِلْقَوْلِ السَّدِيدِ، وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ.
(مَا قَوْلُكُمْ) فِي الرُّسُلِ الْمُتَقَدِّمِينَ عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ هَلْ كَانَتْ لَهُمْ أَحَادِيثُ مُدَوَّنَةٌ كَأَحَادِيثِ نَبِيِّنَا أَوْ هَذَا التَّدْوِينُ خَاصٌّ بِنَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟
فَأَجَبْتُ بِمَا نَصُّهُ: " الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ هَذَا التَّدْوِينُ مِنْ خُصُوصِيَّاتِ أُمَّةِ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ فِي الْمَوَاهِبِ اللَّدُنِّيَّةِ: وَمِنْهَا أَنَّهُمْ أُوتُوا الْإِسْنَادَ، وَهُوَ خَصِيصَةٌ فَأَفْضَلُهُ مِنْ خَصَائِصِ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَسُنَّةٌ بَالِغَةٌ مِنْ السُّنَنِ الْمُؤَكَّدَةِ وَقَدْ رَوَيْنَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي الْعَبَّاسِ الدَّغُولِيِّ قَالَ سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ حَاتِمِ بْنِ الْمُظَفَّرِ يَقُولُ: إنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَكْرَمَ هَذِهِ الْأُمَّةَ وَشَرَّفَهَا وَفَضَّلَهَا بِالْإِسْنَادِ وَلَيْسَ لِأَحَدٍ مِنْ الْأُمَمِ كُلِّهَا قَدِيمِهَا وَحَدِيثِهَا إسْنَادٌ إنَّمَا هُوَ صُحُفٌ فِي أَيْدِيهِمْ وَقَدْ خَلَطُوا بِكُتُبِهِمْ أَخْبَارَهُمْ فَلَيْسَ عِنْدَهُمْ تَمْيِيزٌ بَيْنَ مَا نَزَلَ مِنْ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَبَيْنَ مَا أَلْحَقُوهُ بِكُتُبِهِمْ مِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute