للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَلْبِ الْمَصْرُوعِ يَتَكَلَّمُ بِحَسَبِهَا وَيَتَحَرَّكُ كَذَلِكَ كَالنَّائِمِ.

قَالَ: وَأَمَّا إخْبَارُهُ بِالْغَيْبِ فَسَبَبُهُ أَنَّ مَا كَانَ، وَمَا يَكُونُ مَسْطُورٌ ثَابِتٌ فِي شَيْءٍ خَلَقَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ تَارَةً يُسَمَّى لَوْحًا، وَتَارَةً إمَامًا، وَتَارَةً كِتَابًا، وَثُبُوتُ الْأَشْيَاءِ فِيهِ كَثُبُوتِ الْقُرْآنِ فِي دِمَاغِ الْحَافِظِ، وَلَيْسَ مِثْلَ الرُّقُومِ الْمَكْتُوبَةِ الْمَرْئِيَّةِ فِي جِسْمٍ مُثَنَّاةٍ لِأَنَّ غَيْرَ الْمُتَنَاهِي لَا يُكْتَبُ فِي الْمُتَنَاهِي هَذِهِ الْكِتْبَةَ الظَّاهِرَةَ، وَالْقَلْبُ مِثْلُ الْمِرْآةِ، وَاللَّوْحُ مِثْلُ الْمِرْآةِ بَيْنَ حِجَابٍ فَإِذَا ارْتَفَعَ الْحِجَابُ تَرَاءَى الصُّوَرَ الَّتِي فِي اللَّوْحِ، وَالْحِجَابُ هُوَ الشُّغْلُ، وَالْقَلْبُ بِالدُّنْيَا مَشْغُولٌ، وَأَكْثَرُ اشْتِغَالِهِ الْفِكْرُ فِيمَا يُورِدُهُ الْحِسُّ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ مِنْ الْحَوَاسِّ فِي شُغْلٍ دَائِمٍ فَإِذَا رَكَدَتْ الْحَوَاسُّ بِنَوْمٍ أَوْ صَرْعٍ، وَلَمْ يَكُنْ مِنْ فَسَادِ الْأَخْلَاطِ شُغْلٌ آخَرُ بِالْبَاطِنِ رُبَّمَا تَرَاءَى فِي الْقَلْبِ بَعْضُ تِلْكَ الصُّوَرِ الْمَكْتُوبَةِ فِي اللَّوْحِ، وَتَحْقِيقُ هَذَا يَطُولُ، وَقَدْ أَشَرْت إلَى مَا صَحَّ مِنْهُ فِي كِتَابِ عَجَائِبُ الْقَلْبِ، وَلِذَلِكَ يَظْهَرُ عِنْدَ سَكَرَاتِ الْمَوْتِ حَتَّى يَنْكَشِفَ لِلْإِنْسَانِ مَوْضِعُهُ مِنْ الْجَنَّةِ فَتَكُونَ الْبُشْرَى أَوْ مِنْ النَّارِ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى فَتَكُونَ الْأُخْرَى لِأَنَّ الْحَوَاسَّ تَرْكُدُ فِي مُقَدِّمَاتِ الْمَوْتِ قَبْلَ زُهُوقِ الرُّوحِ انْتَهَى، وَعَلَى هَذَا فَعَدَمُ الْعَمَلِ بِكَلَامِ الْجَارِيَةِ حَالَ صَرْعِهَا ظَاهِرٌ لَا إشْكَالَ فِيهِ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَالْقَوْلُ لِلْبَائِعِ فِي نَفْيِ عَيْبِ السَّلِيمِ أَوْ قِدَمِهِ إلَّا بِشَهَادَةِ الْعَادَةِ، وَقِيلَ كُفَّارٌ وَفُسَّاقٌ لَا يَكْذِبُونَ قِيلَ لِتَعَذُّرِ الْغَيْرِ فِيهِمَا أَوْ فِي الْكُفَّارِ، وَالْوَاحِدُ كَافٍ إنْ أَرْسَلَهُ الْقَاضِي، وَالْمَبِيعُ حَاضِرٌ لَمْ يَخْفَ عَيْبُهُ، وَإِلَّا فَعَدْلَانِ، وَحَلَفَ مَنْ لَمْ يُقْطَعْ بِصِدْقِهِ وَيَمِينِهِ بِعْته، وَزَادَ فِيمَا يُضْمَنُ بِالْقَبْضِ، وَأَقْبَضْته، وَمَا هُوَ بِهِ بَتًّا فِي الظَّاهِرِ الَّذِي قَدْ يَخْفَى، وَعَلَى الْعِلْمِ فِي الْخَفِيِّ، وَإِنْ نَكَلَ رُدَّتْ عَلَى الْمُبْتَاعِ انْتَهَى.

(مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ اشْتَرَى جَامُوسَةً مِنْ آخَرَ بِأَرْبَعِمِائَةِ قِرْشٍ، وَبَعْدَ عَشَرَةِ أَيَّامٍ قَامَ وَالِدُ الْبَائِعِ، وَادَّعَى أَنَّهَا مِلْكُهُ، وَأَنَّ وَلَدَهُ سَرَقَهَا وَبَاعَهَا بِدُونِ إذْنِهِ فَقَالَ الْمُشْتَرِي أَنَا رَجُلٌ تَاجِرٌ قَدْ بِعْتهَا بِخَمْسِمِائَةِ قِرْشٍ فَمَا الْحُكْمُ فِي ذَلِكَ أَفِيدُوا الْجَوَابَ.

فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ يُكَلَّفُ الْأَبُ بَيِّنَةً أَنَّهَا لَهُ فَإِنْ أَقَامَهَا فَلَهُ فَسْخُ الْبَيْعِ وَأَخْذُهَا إنْ كَانَتْ قَائِمَةً، وَأَخْذُ قِيمَتِهَا إنْ فَاتَتْ، وَهَذَا إنْ لَمْ يَقَعْ الْبَيْعُ بِحَضْرَتِهِ وَعِلْمِهِ سَاكِتًا، وَإِلَّا فَلَا كَلَامَ لَهُ، وَقَدْ تَقَدَّمَتْ النُّصُوصُ بِذَلِكَ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.

(مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ فَلَّاحٍ تَرَتَّبَ عَلَيْهِ مَالٌ لِلدِّيوَانِ فَجَبَرَهُ الْحَاكِمُ عَلَى دَفْعِهِ فَبَاعَ زَرْعَةَ قَصَبٍ لَهُ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا لِرَجُلٍ فَاسْتَوْلَى عَلَيْهَا، وَخَدَمَهَا حَتَّى تَمَّ طَيْبُهَا، وَشَرَعَ فِي عَصْرِهَا فَقَامَ الْبَائِعُ يُرِيدُ أَخْذَهَا مِنْ الْمُشْتَرِي مُحْتَجًّا بِأَنَّ الْبَيْعَ فَاسِدٌ خُصُوصًا، وَقَدْ بَاعَهَا جَبْرًا فَهَلْ يُمَكَّنُ مِنْ ذَلِكَ، وَيَدْفَعُ لِلْمُشْتَرِي أُجْرَةَ عَمَلِهِ أَمْ كَيْفَ الْحَالُ؟ أَفِيدُوا الْجَوَابَ.

فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ يُمَكَّنُ مِنْ ذَلِكَ، وَيَدْفَعُ لِلْمُشْتَرِي أُجْرَةَ عَمَلِهِ لِمَا ذَكَرْت مِنْ فَسَادِ الْبَيْعِ فَيَجِبُ فَسْخُهُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ النَّصُّ بِذَلِكَ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ

(وَسُئِلَ شَيْخُنَا أَبُو يَحْيَى حَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى) عَنْ رَجُلٍ اشْتَرَى صُنْدُوقَ دُخَانِ نُشُوقٍ بَعْدَ اطِّلَاعِهِ عَلَى ظَهْرِهِ ثُمَّ بَاعَ نِصْفَهُ الْأَعْلَى وَوَجَدَ الْبَاقِي رَدِيئًا لَا يُبَاعُ، وَلَا يُشْتَرَى فَهَلْ يُرَدُّ عَلَى بَائِعِهِ أَفِيدُوا الْجَوَابَ.

(فَأَجَابَ بِمَا نَصُّهُ) الْحَمْدُ لِلَّهِ إنْ ثَبَتَ أَنَّ الدُّخَانَ الْمَذْكُورَ مَعِيبٌ قَبْلَ الشِّرَاء بِشَهَادَةِ بَيِّنَةٍ أَوْ بِقَوْلِ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ، وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ الْمُشْتَرِي حَالَ الْعَقْدِ، وَلَمْ يَرْضَ بِهِ بَعْدَ اطِّلَاعِهِ عَلَيْهِ، وَكَانَ مِمَّا جَرَتْ الْعَادَةُ

<<  <  ج: ص:  >  >>