فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ، إذَا ثَبَتَ الْقَرْضُ بِبَيِّنَةٍ، أَوْ إقْرَارِ الْوَارِثِ الَّذِي يُعْتَبَرُ إقْرَارُهُ فَالْأَصْلُ بَقَاؤُهُ فِي ذِمَّةِ الْمُقْتَرِضِ حَتَّى يَثْبُتَ وَفَاؤُهُ إيَّاهُ بِبَيِّنَةٍ، أَوْ إقْرَارِ الْمُقْرِضِ بِالْكَسْرِ وَلَا يَمْنَعُهُ مِنْ طَلَبِهِ وَالْقِيَامِ بِحَقِّهِ فِيهِ سُكُوتُهُ الْمُدَّةَ الطَّوِيلَةَ بِلَا عُذْرٍ؛ لِأَنَّ الْحِيَازَةَ الْمُسْقِطَةَ لِلْحَقِّ لَا تَكُونُ فِي الدَّيْنِ الَّذِي فِي الذِّمَّةِ؛ لِأَنَّ مِنْ شَرْطِهَا التَّصَرُّفُ وَهُوَ لَا يُمْكِنُ فِيهِ وَسَوَاءٌ كَانَ لِلْقَرْضِ وَثِيقَةٌ أَمْ لَا وَهَذَا حَيْثُ لَمْ يَدَّعِ الْوَارِثُ أَنَّ الْمَيِّتَ قَدْ وَفَّاهُ قَبْلَ مَوْتِهِ فَإِنْ ادَّعَاهُ فَإِنْ كَانَ لِلدَّيْنِ وَثِيقَةٌ فَالْقَوْلُ لِلطَّالِبِ أَيْضًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِهِ وَثِيقَةٌ فَالْقَوْلُ لِلْوَارِثِ بِيَمِينِهِ حَيْثُ مَضَى زَمَنٌ لَا يُؤَخَّرُ مَعَهُ عُرْفًا مَعَ عَدَمِ مَانِعِ الطَّلَبِ قَالَ الْعَدَوِيُّ عَلَى قَوْلِ الْمُخْتَصَرِ وَإِنْ حَازَ أَجْنَبِيٌّ غَيْرُ شَرِيكٍ وَتَصَرُّفٍ ثُمَّ ادَّعَى حَاضِرٌ سَاكِتٌ بِلَا مَانِعٍ عَشْرَ سِنِينَ لَمْ تُسْمَعْ دَعْوَاهُ وَلَا بَيِّنَتُهُ مَا نَصَّهُ قَوْلُهُ لَمْ تُسْمَعْ أَيْ دَعْوَاهُ عَدَمَ سَمَاعِ دَعْوَى الْمُدَّعِي وَبَيِّنَتِهِ بَعْدَ مُدَّةِ الْحِيَازَةِ فِي غَيْرِ وَثَائِقِ الْحُقُوقِ وَإِلَّا فَلَهُ الْقِيَامُ بِمَا فِيهَا وَلَوْ طَالَ الزَّمَانُ انْتَهَى وَقَالَ فِي شَرْحِ الْمَجْمُوعِ مُفَرِّعًا عَلَى قَوْلِهِ يَتَصَرَّفُ كَالْمَالِكِ فَلَا حِيَازَةَ عَلَى دَيْنٍ فِي الذِّمَّةِ لِعَدَمِ التَّصَرُّفِ انْتَهَى.
وَقَدْ سُئِلَ شَيْخُ مَشَايِخِي خَاتِمَةِ الْمُحَقِّقِينَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْأَمِيرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ رَجُلٍ لَهُ دَيْنٌ عَلَى آخَرَ وَسَكَتَ بِلَا طَلَبِ مُدَّةٍ طَوِيلَةٍ فَهَلْ يَسْقُطُ وَلَا يَسُوغُ لَهُ الْمُطَالَبَةُ بِهِ.
فَأَجَابَ بِمَا نَصُّهُ: لَا يَسْقُطُ حَقُّهُ حَيْثُ كَانَ أَصْلُ الدَّيْنِ ثَابِتًا بِبَيِّنَةٍ، أَوْ إقْرَارٍ وَذَلِكَ أَنَّ الْحُقُوقَ الْمَشْغُولَةَ بِهَا الذِّمَمُ لَا حِيَازَةَ فِيهَا، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَقَالَ فِي ضَوْءِ الشُّمُوعِ قَوْلُهُ حِيَازَةٌ عَلَى دَيْنٍ أَيْ لَا يُقَالُ سَقَطَ بِالسُّكُوتِ عَنْهُ بِلَا عُذْرٍ مَعَ طُولِ الْمُدَّةِ وَسَوَاءٌ كَانَ بِوَثِيقَةٍ أَمْ لَا وَظَاهِرٌ أَنَّ هَذَا غَيْرُ دَعْوَى الْقَضَاءِ أَمَّا إنْ ادَّعَى الْمَطْلُوبُ الْقَضَاءَ فَإِنْ كَانَ بِوَثِيقَةٍ فَالْقَوْلُ لِلطَّالِبِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِوَثِيقَةٍ فَالْقَوْلُ لِلْمَطْلُوبِ بِيَمِينِهِ حَيْثُ مَضَى طَوْلٌ لَا يُؤَخَّرُ مَعَهُ عُرْفًا وَلَا مَانِعَ مِنْ الطَّلَبِ وَعَنْ مَالِكٍ الطَّوْلِ ثَلَاثُونَ سَنَةً وَقَالَ مُطَرِّفٌ عِشْرُونَ اهـ.
وَهَذَا حَيْثُ لَمْ تُقَسَّمْ التَّرِكَةُ بِحُضُورِ رَبِّ الدَّيْنِ وَعِلْمِهِ سَاكِتًا بِلَا عُذْرٍ وَإِلَّا فَلَا قِيَامَ لَهُ قَالَ عَبْدُ الْبَاقِي فِي شَرْحِ قَوْلِ الْمُخْتَصَرِ وَإِنْ ظَهَرَ دَيْنٌ، أَوْ اسْتَحَقَّ مَبِيعٌ وَإِنْ قَبْلَ فَلَسِهِ رَجَعَ بِالْحِصَّةِ، مَفْهُومُ قَوْلِهِ ظَهَرَ أَنَّهُ لَوْ حَضَرَ غَرِيمٌ قَسَّمَ تَرِكَةً بَيْنَ وَرَثَةٍ أَوْ غُرَمَاءِ مَيِّتٍ عَالِمًا بِدَيْنِهِ سَاكِتًا بِلَا عُذْرٍ فَإِنَّهُ لَا قِيَامَ لَهُ حَيْثُ حَصَلَ الْقَسْمُ فِي الْجَمِيعِ فَإِنْ بَقِيَ بِلَا قَسْمٍ مَا يَفِي بِدَيْنِهِ لَمْ يَسْقُطْ قِيَامُهُ بِقَسْمِ غَيْرِهِ فَإِنْ قَالَ مَا عَلِمْت بِالدَّيْنِ إلَّا حِينَ وَجَدْت الْوَثِيقَةَ حَلَفَ وَكَانَ لَهُ الْقِيَامُ فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ الْوَرَثَةُ لَا يَعْلَمُونَ لَهُ حَقًّا وَلَمْ يُكَلَّفُوا الْحَلِفَ لِرَدِّ شَهَادَةِ الشَّاهِدِ كَمَا إذَا قَامَ لِغَرِيمٍ شَاهِدٌ وَلَمْ يَحْلِفْ لِرَدِّ شَهَادَتِهِ فَإِنَّ غُرَمَاءَهُ يَحْلِفُونَ مَا يَعْلَمُونَ عَلَيْهِ حَقًّا وَلَا يُكَلَّفُونَ الْحَلِفَ لِرَدِّ شَهَادَةِ الشَّاهِدِ فَإِنْ قَالَ: كُنْت أَعْلَمُ دَيْنِي وَلَكِنْ كُنْت أَنْتَظِرُ الذِّكْرَ، أَوْ الْبَيِّنَةَ فَلَا قِيَامَ لَهُ وَانْظُرْ لَوْ سَكَتَ حَتَّى بَقِيَ مِنْ التَّرِكَةِ مَالًا يَفِي بِدَيْنِهِ هَلْ لَهُ الْقِيَامُ أَمْ لَا وَعَلَى الْأَوَّلِ يَأْخُذُ مَا وَجَدَ وَيَسْقُطُ مَا بَقِيَ مِنْ حَقِّهِ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ أَنَّ الْمَدِينَ مَيِّتٌ وَانْظُرْ لَوْ اعْتَقَدَ، أَوْ ظَنَّ أَنَّ الْبَاقِيَ يَفِي بِحَقِّهِ اهـ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إنْ حَصَلَ قَسْمُ جَمِيعِ التَّرِكَةِ بَيْنَ الْوَرَثَةِ وَأَرْبَابُ الدَّيْنِ حَاضِرُونَ عَالِمُونَ بِهِ وَبِدَيْنِهِمْ سَاكِتُونَ بِلَا عُذْرٍ سَقَطَ حَقُّهُمْ فَلَا قِيَامَ لَهُمْ بَعْدُ وَإِلَّا يَحْصُلَ قَسْمٌ أَصْلًا، أَوْ بَقِيَ مِنْهَا مَا يَفِي بِدُيُونِهِمْ بِلَا قَسْمٍ وَثَبَتَتْ دُيُونُهُمْ بِبَيِّنَةٍ أَوْ إقْرَارِ الْوَارِثِ فَإِنْ ادَّعَى أَنَّ الْمَيِّتَ وَفَّاهُمْ قَبْلَ مَوْتِهِ فَإِنْ كَانَ بِدَيْنِهِمْ وَثِيقَةٌ فَالْقَوْلُ لِرَبِّ الدَّيْنِ فِي عَدَمِ الْوَفَاءِ وَلَوْ طَالَ الزَّمَانُ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ بِهِ وَثِيقَةٌ فَالْقَوْلُ لِلْوَارِثِ بِيَمِينٍ حَيْثُ مَضَى طَوْلٌ لَا يُؤَخَّرُ مَعَهُ عُرْفًا مَعَ عَدَمِ الْمَانِعِ وَإِنْ لَمْ يَدَّعِ الْوَارِثُ الْوَفَاءَ فَلَهُمْ الْقِيَامُ مُطْلَقًا وُجِدَتْ لَهُمْ وَثِيقَةٌ بِهِ أَمْ لَا، طَالَ الزَّمَانُ أَمْ لَا، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute