عَلَى الرُّعَاةِ إنْ فَرَّطُوا، أَوْ ضَيَّعُوا حَتَّى أَفْسَدَتْ شَيْئًا عَلَى هَذَا حَمَلَ أَهْلُ الْعِلْمِ مَا ثَبَتَ مِنْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى عَلَى أَرْبَابِ الزَّرْعِ بِحِفْظِهِ بِالنَّهَارِ وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِّ فِي مَسَائِلِهِ إذَا قُلْنَا بِضَمَانِ مَا أَفْسَدَتْ بِاللَّيْلِ فَهَلْ يَتَعَلَّقُ الضَّمَانُ بِرُعَاتِهَا أَوْ بِأَرْبَابِهَا تَكَلَّمْتُ فِيهَا مَعَ ابْنِ رُشْدٍ فَظَهَرَ لَهُ أَنَّ الضَّمَانَ عَلَى الرُّعَاةِ وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الضَّمَانَ يَتَعَلَّقُ بِأَرْبَابِهَا؛ لِأَنَّ الرَّاعِيَ أَجِيرٌ يَحْلِفُ مَا فَرَّطَ وَلَا ضَيَّعَ وَيَغْرَمُ رَبُّ الْمَاشِيَةِ اهـ كَلَامُ ابْنِ سَلْمُونٍ.
قَالَ فِي الْمُخْتَصَرِ وَمَا أَتْلَفَتْهُ الْبَهَائِمُ لَيْلًا فَعَلَى أَرْبَابِهَا وَإِنْ زَادَ عَلَى قِيمَتِهَا بِقِيمَتِهِ عَلَى الرَّجَاءِ وَالْخَوْفِ لَا نَهَارًا إنْ يَكُنْ مَعَهَا رَاعٍ وَسَرَحَتْ بَعْدَ الْمَزَارِعِ وَإِلَّا فَعَلَى الرَّاعِي قَالَ الْخَرَشِيُّ يَعْنِي أَنَّ الْحَيَوَانَ الَّذِي يُمْكِنُ حِرَاسَتُهُ وَلَمْ يَكُنْ مَعْرُوفًا بِالْعَدَاءِ سَوَاءٌ كَانَ مَأْكُولَ اللَّحْمِ أَمْ لَا إذَا أَتْلَفَ شَيْئًا مِنْ الزَّرْعِ، أَوْ مِنْ الْحَوَائِطِ وَالْكُرُومِ فِي اللَّيْلِ فَإِنَّ ضَمَانَهُ عَلَى رَبِّهِ لَكِنْ يَضْمَنُ قِيمَةَ مَا ذُكِرَ عَلَى الْبَتِّ إنْ بَدَا صَلَاحُهُ وَإِنْ لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ فَيَضْمَنُهَا عَلَى الرَّجَاءِ وَالْخَوْفِ وَإِنْ زَادَ قِيمَةُ الشَّيْءِ الْمُتْلَفِ عَلَى قِيمَةِ الْبَهَائِمِ وَسَوَاءٌ كَانَ مَحْظُورًا عَلَيْهِ أَمْ لَا قَالَهُ أَشْهَبُ بِأَنْ يُقَالَ مَا قِيمَتُهُ عَلَى تَقْدِيرِ تَمَامِهِ سَالِمًا وَعَلَى تَقْدِيرِ جَائِحَتِهِ كُلًّا، أَوْ بَعْضًا فَلَوْ تَأَخَّرَ الْحُكْمُ حَتَّى عَادَ الزَّرْعُ لِهَيْئَتِهِ سَقَطَتْ قِيمَتُهُ وَيُؤَدَّبُ الْمُفْسِدُ وَلَيْسَ لِرَبِّهَا أَنْ يُسَلِّمَ الْمَاشِيَةَ فِي قِيمَةِ مَا أَفْسَدَتْ بِخِلَافِ الْعَبْدِ الْجَانِي وَالْمَاشِيَةِ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْعَبْدَ مُكَلَّفٌ فَهُوَ الْجَانِي وَالْمَاشِيَةُ لَيْسَتْ مُخَاطَبَةً فَلَيْسَتْ هِيَ الْجَانِيَةُ وَأَمَّا مَا أَتْلَفَتْهُ نَهَارًا فَلَا ضَمَانَ عَلَى أَرْبَابِهَا بِشَرْطَيْنِ الْأَوَّلُ إذَا لَمْ يَكُنْ رَاعٍ.
الثَّانِي أَنْ تَسْرَحَ بَعْدَ الْمَزَارِعِ بِأَنْ يُخْرِجَهَا عَنْ الزَّرْعِ إلَى مَوْضِعٍ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّهَا لَا تَرْجِعُ لَهُ فَلَوْ كَانَ مَعَهَا رَاعٍ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى دَفْعِهَا فَإِنَّهُ يَضْمَنُ سَوَاءٌ سَرَحَتْ بَعْدَ الْمَزَارِعِ، أَوْ قُرْبَهَا فَلَوْ سَرَحَتْ قُرْبَ الْمَزَارِعِ وَلَيْسَ مَعَهَا رَاعٍ فَإِنَّ ضَمَانَ مَا أَتْلَفَتْهُ عَلَى أَرْبَابِهَا فَقَوْلُهُ وَإِلَّا فَعَلَى الرَّاعِي أَيْ فَإِنْ كَانَ مَعَهَا رَاعٍ فَالضَّمَانُ عَلَيْهِ سَوَاءٌ سَرَحَتْ بَعْدَ الْمَزَارِعِ، أَوْ قُرْبَهَا عَلَى ظَاهِرِ مَا لِابْنِ نَاجِي وَمُقْتَضَى مَا لِغَيْرِهِ أَنَّ فِعْلَهَا حَيْثُ سَرَحَتْ بَعْدَ الْمَزَارِعِ هَدَرٌ سَوَاءٌ كَانَ رَاعٍ أَمْ لَا ثُمَّ قَالَ وَقَوْلُنَا الَّذِي يُمْكِنُ حِرَاسَتُهُ احْتِرَازًا مِمَّا لَا يُمْكِنُ حِرَاسَتُهُ كَالْحَمَامِ وَالنَّحْلِ وَنَحْوِهِمَا فَلَا يُمْنَعُ أَرْبَابُهُ مِنْ اتِّخَاذِهِ وَعَلَى أَرْبَابِ الزَّرْعِ حِفْظُهُ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَابْنِ كِنَانَةَ فِي الْمَجْمُوعَةِ وَقَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ أَيْضًا وَقَوْلُنَا وَلَمْ يَكُنْ مَعْرُوفًا بِالْعَدَاءِ احْتِرَازًا مِمَّا إذَا كَانَ مِنْ شَأْنِهِ الْعَدَاءُ عَلَى الزَّرْعِ فَإِنَّ ضَمَانَ مَا أَفْسَدَهُ عَلَى رَبِّهِ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إذَا تَقَدَّمَ إلَيْهِ إنْذَارٌ وَإِنْ لَمْ يَتَقَدَّمْ إلَيْهِ إنْذَارٌ فَقِيلَ يَضْمَنُ مُطْلَقًا كَمَا إذَا لَمْ يَتَقَدَّمْ إلَيْهِ إنْذَارٌ وَيُؤْمَرُ صَاحِبُهُ بِإِمْسَاكِهِ، أَوْ بَيْعُهُ بِأَرْضٍ لَا زَرْعَ فِيهَا وَقَوْلُنَا مِنْ الزَّرْعِ إلَخْ احْتِرَازًا مِمَّا إذَا وَطِئَتْ عَلَى رَجُلٍ نَائِمٍ فَقَتَلَتْهُ فَإِنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَى رَبِّهَا كَمَا قَالَهُ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - انْتَهَى قَالَ الْعَدَوِيُّ قَوْلُهُ وَمَا أَتْلَفَتْهُ الْبَهَائِمُ لَيْلًا فَعَلَى رَبِّهَا هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا رَاعٍ فِي اللَّيْلِ أَمَّا لَوْ كَانَ لَهَا رَاعٍ فِي اللَّيْلِ فَالضَّمَانُ عَلَيْهِ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى دَفْعِهَا ثُمَّ قَالَ وَظَاهِرُهُ سَوَاءٌ كَانَتْ مَرْبُوطَةً أَمْ لَا وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ مَحَلُّ الضَّمَانِ إذَا تَرَكُوهَا مِنْ غَيْرِ رَبْطٍ أَمَّا إذَا رَبَطُوهَا وَحَفِظُوهَا فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِمْ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَاشِيَةَ إذَا رُبِطَتْ الرَّبْطَ الَّذِي يَمْنَعُهَا عَادَةً، أَوْ قُفِلَ عَلَيْهَا الْقَفْلَ الَّذِي يَمْنَعُهَا عَادَةً فَإِنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَى رَبِّهَا كَانَتْ عَادِيَةً أَمْ لَا وَإِنْ لَمْ تُرْبَطْ الرَّبْطَ الْمَذْكُورَ وَلَا قُفِلَ عَلَيْهَا الْقَفْلُ الْمَذْكُورَ فَإِنْ كَانَتْ عَادِيَةً فَإِنَّهُ يَضْمَنُ رَبُّهَا مَا أَتْلَفَتْهُ لَيْلًا، أَوْ نَهَارًا وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ عَادِيَةٍ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ مَا أَتْلَفَتْهُ لَيْلًا دُونَ مَا أَتْلَفَتْهُ نَهَارًا وَقَوْلُهُ فَعَلَى رَبِّهَا سَوَاءٌ كَانَ وَاحِدًا، أَوْ مُتَعَدِّدًا وَهَلْ عَلَى عَدَدِ الرُّءُوسِ، أَوْ عَلَى عَدَدِ الْمَوَاشِي قَالَهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute