ثُمَّ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَوَّازِيَّةِ أَنَّهَا بِالِاجْتِهَادِ وَرُوِيَ عَنْهُ أَيْضًا السَّبْعُونَ يَسِيرٌ وَرُوِيَ عَنْهُ لَهُ أَنْ يُنْفِقَ فِي الْخَمْسِينَ وَجُمِعَ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ الْأَخِيرَتَيْنِ بِحَمْلِ الْأُولَى مِنْهُمَا عَلَى السَّفَرِ الْبَعِيدِ وَالثَّانِيَةِ عَلَى الْقَرِيبِ قَالَ الْعَدَوِيُّ وَبِهَذَا الْجَمْعِ تَرْجِعُ الرِّوَايَتَانِ الْأَخِيرَتَانِ لِلْأُولَى وَالْمُرَادُ بِالسَّبْعِينَ وَالْخَمْسِينَ الدَّنَانِيرُ عَلَى كُلِّ حَالٍ فَهَذَا الْقَدْرُ الَّذِي فِي النَّازِلَةِ قَلِيلٌ لَا يَحْتَمِلُ الْإِنْفَاقَ قَالَ ابْنُ سَلْمُونٍ وَلَا نَفَقَةَ لَهُ فِي الْمَالِ الْقَلِيلِ اهـ. وَقَالَ الْخَرَشِيُّ وَمِنْ شُرُوطِ النَّفَقَةِ أَنْ يَكُونَ الْمَالُ يَحْتَمِلُهَا بِأَنْ كَانَ لَهُ بَالٌ فَلَا نَفَقَةَ فِي الْمَالِ الْيَسِيرِ اهـ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(وَسُئِلَ شَيْخُنَا أَبُو يَحْيَى - رَحِمَهُ اللَّهُ -) عَنْ رَجُلٍ أَخَذَ مِنْ آخَرَ دَرَاهِمَ قِرَاضًا وَعَمِلَ فِيهَا وَرَبِحَ وَأَخَذَ كُلَّ مَا يَخُصُّهُ مِنْ الرِّبْحِ ثُمَّ عَمِلَ فِيهَا فَخَسِرَتْ فَهَلْ لَا يُجْبَرُ الْخُسْرُ إلَّا بِرِبْحٍ جَدِيدٍ وَلَا نَظَرَ لِمَا قُسِمَ مِنْ الرِّبْحِ السَّابِقِ أَفِيدُوا الْجَوَابَ.
(فَأَجَابَ بِمَا نَصُّهُ) عِبَارَةُ الْمُدَوَّنَةِ، وَإِنْ أَخَذَ مِائَةً قِرَاضًا فَرَبِحَ فِيهَا مِائَةً ثُمَّ أَكَلَ مِنْهُمَا مِائَةً ثُمَّ اتَّجَرَ فِي الْمِائَةِ الْبَاقِيَةِ فَرَبِحَ مَالًا فَالْمِائَةُ فِي ضَمَانِهِ وَمَا بَقِيَ فِي يَدِهِ وَمَا رَبِحَ بَعْدَ ذَلِكَ فَهُوَ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا شَرَطَا وَلَوْ ضَاعَ ذَلِكَ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا الْمِائَةَ الَّتِي فِي ذِمَّتِهِ ضَمِنَهَا لِرَبِّ الْمَالِ وَلَا تُقَدَّرُ رِبْحًا؛ لِأَنَّهُ لَا رِبْحَ إلَّا بَعْدَ رَأْسِ الْمَالِ اهـ وَلَا يَخْفَى مَا فِي الْمُخْتَصَرِ وَشُرَّاحِهِ مِنْ أَنَّهُ لَا يَنْقَطِعُ جَبْرُ الْخُسْرِ وَالتَّلَفِ بِالرِّبْحِ إلَّا بِرَدِّ رَأْسِ الْمَالِ لِرَبِّهِ ثُمَّ أَخْذِهِ وَأَنَّ الِاتِّفَاقَ عَلَى عَدَمِ الْجَبْرِ بِدُونِ رَدٍّ لَا عِبْرَةَ بِهِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
قُلْتُ وَفِي نَوَازِلِ الْبُرْزُلِيِّ التَّصْرِيحُ بِأَنَّ الْعَامِلَ يَرُدُّ مَا أَخَذَهُ مِنْ الرِّبْحِ قَبْلَ الْخُسْرِ حَتَّى يَتِمَّ رَأْسُ الْمَالِ وَنَصُّهُ قَالَ شَيْخُنَا أَبُو الْقَاسِمِ الْغُبْرِينِيُّ وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَأْخُذَ الْعَامِلُ مِنْ الرِّبْحِ قَبْلَ قَبْضِ رَبِّ الْمَالِ رَأْسَ مَالِهِ وَلَوْ أَذِنَ لَهُ فِي ذَلِكَ وَيَرُدُّ مَا قَبَضَ وَلَا يُفْسِدُ بِهِ الْقِرَاضَ.
قُلْتُ كَذَا وَقَعَ فِي الْمُوَطَّإِ وَغَيْرِهِ وَذَكَرَ ابْنُ رُشْدٍ عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ جَوَازَ ذَلِكَ قَبْلَ الْمُفَاصَلَةِ وَإِذَا كَانَ عِنْدَهَا وَوَقَعَتْ وَضَيْعَةً رَدَّ مَا أَخَذَ حَتَّى يَتِمَّ رَأْسُ الْمَالِ قَالَ وَيُلْغِي النَّفَقَةَ لِلْعَامِلِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي الْمَالِ رِبْحٌ جَهِلَ ذَلِكَ رَبُّ الْمَالِ أَوْ عَلِمَهُ اهـ.
(وَسُئِلَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْأَمِيرُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -) عَنْ عَامِلِ قِرَاضٍ بَاعَ عُرُوضَ التِّجَارَةِ وَأَخَذَ بَعْضَ الثَّمَنِ وَصَرَفَهُ لِكَوْنِ ذَلِكَ فِيهِ مَصْلَحَةٌ وَوَضَعَهُ فِي جَيْبِهِ فَعَزَمَهُ شَخْصٌ فَذَهَبَ مَعَهُ مُتَوَجِّهًا إلَى بَيْتِهِ فَقُطِعَ جَيْبُهُ فِي الطَّرِيقِ وَأُخِذَتْ مِنْهُ الدَّرَاهِمُ فَهَلْ يُصَدَّقُ فِي ضَيَاعِهَا؟ وَإِذَا اشْتَرَى عُرُوضًا بِبَاقِي رَأْسِ الْمَالِ وَاشْتَرَى قَبْلَ بَيْعِهَا جَانِبًا مِنْ قَمْحٍ وَتَسَلَّفَ ثَمَنَهُ مِنْ غَيْرِ رَبِّ الْمَالِ وَبَاعَ الْعُرُوضَ وَحَاسَبَ رَبَّ الْمَالِ وَأَبْقَى بِيَدِهِ رَأْسَ الْمَالِ ثُمَّ ادَّعَى رَبُّ الْمَالِ أَنَّ الْقَمْحَ لَهُ خَاصَّةً وَأَنَّهُ وَكَّلَ الْعَامِلَ عَلَى شِرَائِهِ لَهُ وَلَا بَيِّنَةَ لَهُ عَلَى ذَلِكَ فَهَلْ لَا تُقْبَلُ دَعْوَاهُ وَيَخْتَصُّ بِهِ الْعَامِلُ وَإِذَا أَمَرَهُ رَبُّ الْمَالِ بِشِرَاءِ أَمْتِعَةٍ فَاشْتَرَاهَا مِنْ رَأْسِ الْمَالِ الَّذِي بِيَدِهِ وَادَّعَى رَبُّ الْمَالِ أَنَّ ثَمَنَهَا مِنْ مَالٍ آخَرَ لَهُ عَلَيْهِ وَلَا بَيِّنَةَ فَهَلْ يُصَدَّقُ الْعَامِلُ وَإِذَا كَتَبَ عَلَيْهِ تَمَسُّكًا بِغَيْرِ اعْتِرَافِهِ وَرِضَاهُ بِجَمِيعِ رَأْسِ الْمَالِ فَهَلْ هُوَ بَاطِلٌ لَا يُعْمَلُ بِهِ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. (فَأَجَابَ بِمَا نَصُّهُ) الْحَمْدُ لِلَّهِ، الْآدَمِيُّ حِرْزٌ لِمَا مَعَهُ فَحَيْثُ الْعُرْفُ وَالْعَادَةُ أَنْ لَا يُعَدَّ ذَهَابُهُ لِلْعُزُومَةِ بِالدَّرَاهِمِ تَفْرِيطًا فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَيُصَدَّقُ فِي الضَّيَاعِ وَغَايَةُ مَا يَلْزَمُهُ يَمِينٌ إنْ اُتُّهِمَ وَمَا اشْتَرَاهُ مِنْ الْقَمْحِ وَتَسَلَّفَ ثَمَنَهُ فَهُوَ لَهُ خَاصَّةً وَلَا يُصَدَّقُ رَبُّ الْمَالِ أَنَّهُ وَكَّلَهُ عَلَى شِرَائِهِ لَهُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ وَكَذَلِكَ الْأَمْتِعَةُ بِحَسَبِ ثَمَنِهَا مِنْ رَأْسِ الْمَالِ وَلَا يُعْمَلُ بِقَوْلِ رَبِّ الْمَالِ إنَّهَا مِنْ مَالٍ آخَرَ إلَّا بِإِثْبَاتٍ وَيُصَدَّقُ الْعَامِلُ فِي قَدْرِ الثَّمَنِ وَرَدِّ الْمَالِ لِكَوْنِهِ أَمِينًا وَلَا عِبْرَةَ بِالتَّمَسُّكِ الْمَكْتُوبِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute