قَوْلِ الْمُعَمِّرِ بِالْكَسْرِ فَمَنْ أَشْهَدَ أَنَّهُ إذَا وَهَبَ دَارِهِ مَثَلًا لِزَيْدٍ أَوْ أَعْمَرَهَا لَهُ فَإِنَّهُ إنَّمَا يَفْعَلُ ذَلِكَ خَوْفًا مِنْ أَمْرٍ يَتَوَقَّعُهُ مِنْ جِهَةِ كَذَا فَإِنَّ لَهُ إذَا وَهَبَ أَوْ أَعْمَرَ أَنْ يَقُومَ بِهَذِهِ الْبَيِّنَةِ، وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ تُعَرِّفَ الْبَيِّنَةُ السَّبَبَ الَّذِي ذَكَرَ أَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ لِأَجْلِهِ كَمَا فِي وَثَائِقِ الْغَرْنَاطِيِّ، وَأَمَّا فِيمَا خَرَجَ عَلَى عِوَضٍ فَلَا بُدَّ مِنْ ثُبُوتِ السَّبَبِ فَإِذَا أَشْهَدَ بَيِّنَةً أَنَّهُ إنَّمَا يُصَالِحُ غَرِيمَهُ لِإِنْكَارِهِ وَأَنَّهُ مَتَى أَقَرَّ لَهُ رَجَعَ بِجَمِيعِ مَا يُقِرُّ لَهُ بِهِ فَإِنَّهُ يُعْمَلُ بِالْبَيِّنَةِ الْمَذْكُورَةِ بِشَرْطِ أَنْ يَثْبُتَ إنْكَارُهُ فَلَا يُعْمَلُ بِقَوْلِهِ إنَّهُ كَانَ مُنْكِرًا مِنْ غَيْرِ شَهَادَةِ بَيِّنَةٍ لَهُ بِذَلِكَ وَيَرْجِعُ الْمُعَمِّرُ بِغَلَّةِ مَا أَعْمَرَ أَوْ أُجْرَتَهُ قَالَهُ الْأُجْهُورِيُّ فِي نَوَازِلِهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.
(وَسُئِلَ شَيْخُنَا أَبُو يَحْيَى - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) عَنْ إمَامِ مَسْجِدٍ لَهُ أَوْقَافٌ تَحْتَ يَدِهِ نَخْلٌ وَزَيْتُونٌ وَغَيْرُهُمَا يَصْرِفُ مِنْهَا لِكَبِنَاءِ الْمَسْجِدِ وَيَأْكُلُ الْبَاقِيَ فَهَلْ يُخْرِجُ زَكَاةَ ذَلِكَ أَمْ لَا؛ لِأَنَّهُ أُجْرَةٌ لَهُ وَهَلْ بَيْعُهُ لِلثَّمَرِ عَلَى رُءُوسِ الشَّجَرِ يَدْخُلُ فِي بَيْعِ الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ الْمُبَالَغِ عَلَيْهِ بِقَوْلِ خَلِيلٍ وَلَوْ كَرِزْقِ قَاضٍ.
(فَأَجَابَ بِقَوْلِهِ) الْحُكْمُ فِيهَا وُجُوبُ الزَّكَاةِ إنْ بَلَغَ الثَّمَنُ نِصَابًا قَالَ فِي الْمُخْتَصَرِ وَزُكِّيَتْ عَيْنٌ وُقِفَتْ لِلسَّلَفِ كَنَبَاتٍ وَحَيَوَانٍ عَلَى مَسَاجِدَ أَوْ غَيْرِ مُعَيَّنِينَ إلَى آخِرِ مَا قَالَ إلَّا أَنَّ التَّفْصِيلَ الَّذِي ذَكَرَهُ ضَعِيفٌ وَالْمُعْتَمَدُ وُجُوبُ الزَّكَاةِ حَيْثُ بَلَغَتْ الْجُمْلَةُ نِصَابًا مُطْلَقًا كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ الشَّيْخُ عَبْدُ الْبَاقِي وَغَيْرُهُ وَهَذَا الْإِمَامُ الَّذِي وَضَعَ يَدَهُ عَلَى وَقْفِ الْمَسْجِدِ وَتَصَرَّفَ بِالْبَيْعِ وَالْعِمَارَةِ إنْ كَانَ مُنَصَّبًا مِنْ طَرَفِ الْوَاقِفِ أَوْ الْحَاكِمِ الشَّرْعِيِّ فَهُوَ نَاظِرٌ وَبَيْعُهُ لِلثَّمَرِ عَلَى رُءُوسِ الشَّجَرِ جَائِزٌ وَالثَّمَنُ مَقْبُوضٌ لَهُ وَإِلَّا فَهُوَ مُتَعَدٍّ عَلَى الْوَقْفِ وَأَكْلُهُ لِمَا بَقِيَ بَعْدَ الْعِمَارَةِ إنْ كَانَ بِنَصٍّ مِنْ الْوَاقِفِ فَهُوَ جَائِزٌ وَإِلَّا فَلَا يَحِلُّ لَهُ قَالَ الْحَطَّابُ قَالَ فِي الْمَسَائِلِ الْمَلْقُوطَةِ مَنْ وَقَفَ وَقْفًا عَلَى مَنَافِعِ الْجَامِعِ صَرَفَ فِي الْعِمَارَةِ وَالْحُصْرِ وَالزَّيْتِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَلَا يُعْطَى مِنْهُ الْإِمَامُ وَالْمُؤَذِّنُ ذَكَرَ ذَلِكَ الْحَفِيدُ فِي الْمُخْتَصَرِ الصَّغِيرِ وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي نَوَازِلِهِ مَنْ وَقَفَ وَقْفًا عَلَى مَنَافِعِ مَسْجِدٍ صَرَفَهَا عَلَى مَنَافِعِ الْمَسْجِدِ مِنْ بِنَاءٍ وَحُصْرٍ وَبِنَاءِ مَا رَثَّ مِنْ الْجُدَرَانِ، وَلَا يَدْخُلُ فِي ذَلِكَ الْإِمَامُ فَإِنْ صُرِفَ لِلْإِمَامِ شَيْءٌ مِنْ غَلَّةِ ذَلِكَ الْوَقْفِ لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِ بِهِ، وَلَا ضَمَانَ عَلَى مَنْ دَفَعَ ذَلِكَ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْمُحْبِسَ لَمَّا لَمْ يَنُصَّ عَلَى أَنَّهُ دَاخِلٌ فِي التَّحْبِيسِ، وَلَا عَلَى أَنَّهُ خَارِجٌ حَكَمَنَا بِظَاهِرِ اللَّفْظِ فَلَمْ يَدْخُلْ إلَّا بِيَقِينٍ، وَإِذَا قَبَضَ شَيْئًا لَمْ نُغَرِّمْهُ إيَّاهُ إلَّا بِيَقِينٍ، وَلَا يَقِينَ عِنْدَنَا فِي ذَلِكَ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُون الْمُحْبِسَ قَدْ أَرَادَ بِحَبْسِهِ خِلَافَ ظَاهِرِ لَفْظِهِ اهـ. وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْعُرْفَ الْمُتَقَرِّرَ الَّذِي يَعْلَمُهُ الْوَاقِفُ كَنَصِّهِ، وَأَنَّ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ يَقُومُونَ مَقَامَ الْحَاكِمِ عِنْدَ تَعَذُّرِهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.
(وَسُئِلَ أَيْضًا) عَنْ أَحْبَاسٍ بِطَرَابُلُسَ الْغَرْبِ تُسَمَّى بِالْجَارِيَةِ تُبَاعُ غَلَّاتُهَا وَيُتَصَدَّقُ بِهَا فِي رَمَضَانَ فَهَلْ يَجُوزُ صَرْفُهَا فِي كَتَأْسِيسِ مَسْجِدٍ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ لَا سِيَّمَا مِنْهَا مَا يُخَافُ عَلَيْهِ الضَّيَاعُ وَأَكْلُ مُتَوَلِّيهِ أَوْ صَرْفِهِ لَهُ فِي غَيْرِ نَصِّ الْوَاقِفِ أَمْ لَا؟ .
(فَأَجَابَ بِقَوْلِهِ) صَرْفُ رِيعِ الْوَقْفِ فِي وَقْفٍ آخَرَ فِيهِ خِلَافٌ بَيْنَ الْأَنْدَلُسِيِّينَ وَالْقَرَوِيِّينَ قَالَ السَّيِّدُ الْبُلَيْدِيُّ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى شَرْحِ الشَّيْخِ عَبْدِ الْبَاقِي مَا نَصُّهُ مَسْأَلَةٌ مُهِمَّةٌ، وَهِيَ أَنَّهُ وَقَعَ الْخِلَافُ بَيْنَ الْأَنْدَلُسِيِّينَ فِي رِيعِ الْوَقْفِ الْمُسْتَغْنَى عَنْهُ حَالًا وَمَآلًا لِكَثْرَةِ ذَلِكَ هَلْ يُصْرَفُ فِي وُجُوهِ الْخَيْرِ؛ لِأَنَّ مَا كَانَ لِوَجْهِ اللَّهِ يُسْتَعْمَلُ بَعْضُهُ فِي بَعْضٍ وَعَلَيْهِ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ أَصْبَغَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَقَالَهُ ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَعَلَيْهِ ابْنُ رُشْدٍ؛ وَلِأَنَّ فِي ذَلِكَ إبْقَاءَ غَرَضِ الْوَاقِفِ مِنْ ابْتِغَاءِ الثَّوَابِ وَالسَّلَامَةِ مِنْ الْخِيَانَةِ بِسَرِقَةِ الرِّيعِ أَوْ يُشْتَرَى بِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute