للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْتَزَمَهُ وَإِنَّمَا هُوَ عَلَى وَجْهِ الْإِصْلَاحِ الشَّرْعِيِّ وَلَيْسَ لَهُ الِاخْتِصَاصُ بِالطِّينِ رَأْسًا وَعَلَى أَيِّ وَجْهٍ كَانَ مَعَ أَنَّ أَصْلَهُ لِعُمُومِ مَصَالِحِ الْإِسْلَامِ وَلَهُ فَائِضٌ زَائِدٌ عَلَى مَا يَدْفَعُهُ مِنْ أَصْلِ الْخَرَاجِ فِي نَظِيرِ تَعَبِهِ فِي الْإِصْلَاحِ وَهَؤُلَاءِ الْمُلْتَزِمُونَ يَنْهَبُونَ وَيُؤْذُونَ وَيَضْرِبُونَ، وَلَا يَنْفَعُونَ، ثُمَّ يَأْتُونَ يَسْتَفْتُونَ فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ وَعَلَى هَذَا فَلَا يَجُوزُ عَزْلُ الْفَلَاحِ عَنْ أَثَرٍ، وَلَا يَجُوزُ مَنْعُ الْبَنَاتِ مِنْهُ وَلَوْ جَرَى عُرْفٌ بِمَنْعِهِنَّ فَهُوَ فَاسِدٌ لَا يُعْمَلُ بِهِ بَلْ رُبَّمَا كُنَّ أَحْوَجَ وَأَحَقَّ بِمَا كَانَ أَصْلُهُ مِنْ جِهَاتِ بَيْتِ الْمَالِ نَعَمْ إنْ كَانَ الْمُفْتِي عَارِفًا وَأَتْبَعَ فَتْوَاهُ مَا تَقْتَضِيه الْمَصْلَحَةُ فِي خُصُوصِ الْوَاقِعَةِ بَعْدَ مُرَاعَاةِ النُّصُوصِ وَإِمْعَانِ النَّظَرِ حَسَنٌ وَتَحْدُثُ لِلنَّاسِ أَقَضِيَّةٌ بِحَسَبِ مَا يُحْدِثُونَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

(وَسُئِلَ شَيْخُنَا أَبُو يَحْيَى - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) عَنْ الرَّجُلِ يَمُوتُ عَنْ طِينِ زِرَاعَةٍ مُسِحَ عَلَيْهِ فَهَلْ يُورَثُ عَنْهُ وَيُعْطَى كُلُّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ بِالْفَرِيضَةِ الشَّرْعِيَّةِ أَمْ لَا؟ وَهَلْ إذَا أَسْقَطَ الرَّجُلُ حَقَّهُ مِنْ الطِّينِ لِآخَرَ فِي نَظِيرِ دَرَاهِمَ، وَإِذَا قَدَرَ عَلَى دَفْعِهَا لَهُ يَأْخُذُ الطِّينَ وَيَكْتُبُ وَثِيقَةً شَرْعِيَّةً بِذَلِكَ فَهَلْ يُمَكَّنُ مِنْ أَخْذِ الطِّينِ أَمْ لَا؟ أَفِيدُوا الْجَوَابَ.

(فَأَجَابَ بِقَوْلِهِ) الْحَمْدُ لِلَّهِ الْمَنْصُوصُ أَنَّ مِصْرَ فُتِحَتْ عَنْوَةً وَأَنَّ أَرْضَ الزِّرَاعَةِ مِنْهَا مَوْقُوفَةٌ لِمُهِمَّاتِ الْمُسْلِمِينَ وَالنَّاظِرُ عَلَيْهَا نَائِبُ السُّلْطَانِ يَفْعَلُ مَا فِيهِ الْمَصْلَحَةُ وَأَنَّهَا لَا تُورَثُ بَلْ الْحَقُّ لِمَنْ يُقَرِّرُهُ نَائِبُ السُّلْطَانِ؛ لِأَنَّهَا مُكْتَرَاةٌ وَالْخَرَاجُ كِرَاؤُهَا، وَلَا حَقَّ لِلْمُكْتَرِي فِي مِثْلِ هَذَا فَيُورَثُ عَنْهُ هَذَا أَصْلُ الْمَذْهَبِ وَنُقِلَ عَنْ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّهُمْ أَفْتَوْا بِأَنَّ الْأَرْضَ تُورَثُ فَإِنْ كَانَتْ صُورَةُ الْفَتْوَى يَجُوزُ الْعَمَلُ بِمَا أَفَادَهُ الْعَالِمُ الْفُلَانِيُّ أَوْ يَجُوزُ تَقْلِيدُ الْإِمَامِ فُلَانٍ فَالْأَمْرُ ظَاهِرٌ وَإِلَّا فَمِنْ الْمُشْكِلَاتِ؛ وَلِذَلِكَ قَالَ الْأُسْتَاذُ الدَّرْدِيرُ إنَّهَا بَاطِلَةٌ مَكْذُوبَةٌ عَلَى مَنْ نُسِبَتْ إلَيْهِ وَقَالَ الْإِمَامُ الْأَمِيرُ فِي حَاشِيَةِ الْمَجْمُوعِ قَوْلُهُ وَوُقِفَتْ الْأَرْضُ فَلَا تُورَثُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْبَدْرُ فِي مَوَاضِعَ وَوَقَعَتْ الْفَتْوَى بِالْإِرْثِ قِيلَ إلْحَاقًا بِالْخَلَوَاتِ، وَالْخَرَاجُ كَالْكِرَاءِ انْتَهَى.

وَذَكَرَ شَيْخُنَا الدُّسُوقِيُّ أَنَّ الْفَتْوَى بِالْإِرْثِ إمَّا لِمُرَاعَاةِ الْخِلَافِ لِمَا فِي مُقَابِلِ الْمَشْهُورِ مِنْ الْمَصْلَحَةِ وَدَفْعِ الْهَرَجِ، وَإِمَّا؛ لِأَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ لِلْمُزَارِعِينَ فِيهَا حَقٌّ يُشْبِهُ الْخُلُوَّ مِنْ جِهَةِ تَحْرِيكِهِمْ الْأَرْضَ وَالْعِلَاجِ فِيهَا وَالْخُلُوُّ يُورَثُ انْتَهَى.

وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَنْ رَاعَى الْمَشْهُورَ فِي الْمَذْهَبِ قَالَ بِعَدَمِ الْإِرْثِ وَمَنْ رَاعَى مُقَابِلَهُ قَالَ بِالْإِرْثِ عَلَى فَرَائِضِ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَا وَجْهَ لِتَخْصِيصِ الذُّكُورِ؛ لِأَنَّهَا خَصْلَةٌ جَاهِلِيَّةٌ لَا تَحِلُّ فِي الْإِسْلَامِ، وَإِنْ اسْتَظْهَرَ ذَلِكَ الْإِمَامُ الدَّرْدِيرُ وَالرُّجُوعُ لِلْحَقِّ أَحَقُّ وَالضَّرُورَةُ لَهَا أَحْكَامٌ بِقَدْرِهَا وَيَجِبُ عَلَى الْحَاكِمِ مُرَاعَاةُ مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ وَدَفْعُ الضَّرَرِ عَنْهُمْ وَسَدُّ أَبْوَابِ الْفِتَنِ مَا أَمْكَنَ وَأَخْذُ الدَّرَاهِمِ لِأَجْلِ إسْقَاطِ الْحَقِّ وَمَتَى قَدَرَ الْآخِذُ عَلَى رَدِّهَا رَجَعَ فِي حَقِّهِ، وَرَدُّهَا عَقْدٌ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ رِبًا فَاعِلُهُ مَلْعُونٌ فِي كُلِّ مِلَّةٍ وَالْآخِذُ وَالدَّافِعُ وَالْكَاتِبُ وَالشَّاهِدُ سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ كَمَا فِي الْحَدِيثِ فَيَجِبُ فَسْخُ هَذَا الْعَقْدِ مَتَى اُطُّلِعَ عَلَيْهِ وَيَأْخُذُ كُلُّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.

(وَسُئِلَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْأَمِيرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) عَمَّا انْكَشَفَ مِنْ الطِّينِ الَّذِي تَحْتَ بَحْرِ النِّيلِ وَقُلْتُمْ إنَّهُ لِأَقْرَبِ الْبِلَادِ إلَيْهِ فَهَلْ إذَا كَانَ مَكْتُوبًا لِجَمَاعَةٍ، ثُمَّ أَخَذَهُ النِّيلُ وَأَخْرَجَهُ لِآخَرِينَ يَكُونُ لِمَنْ أَخْرَجَهُ لَهُمْ بِحَيْثُ كَانَ قَرِيبًا وَهَلْ لِمَنْ لَهُ الِالْتِزَامُ أَنْ يَنْزِعَ طِينَ شَخْصٍ وَيُعْطِيَهُ لِآخَرَ وَهَلْ الْمِسَاحَةُ الْمُتَرَتِّبَةُ عَلَى الشَّخْصِ لِلْإِنَاثِ تَوَارُثُهَا مَعَ الذُّكُورِ بِالْقِسْمَةِ الشَّرْعِيَّةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>