للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَلَى التَّحْرِيمِ، ثُمَّ رَوَاهُ هَذَا كُلُّهُ يَجِبُ أَنْ يَسْتَفْتِيَ الْمَرْءُ قَلْبَهُ فَإِذَا وَجَدَ فِيهِ حَزَازَةً فَلْيَجْتَنِبْ فَالْإِثْمُ حَزَازَةُ الْقُلُوبِ وَحِكَاكُ الصُّدُورِ، وَلَكِنْ هَاهُنَا دَقِيقَةٌ يَغْفُلُ عَنْهَا أَهْلُ الْوَرَعِ، وَهِيَ أَنَّهُ حَيْثُ التَّرْكُ مِنْ الْوَرَعِ أَوْ مِنْ حَزَازَةٍ فِي النَّفْسِ وَالسُّؤَالُ يُؤْذِي فَالْمَجْهُولُ إذَا قَدَّمَ لَك طَعَامًا فَإِذَا سَأَلْته مِنْ أَيْنَ اسْتَوْحَشَ وَتَأَذَّى وَالْإِيذَاءُ حَرَامٌ وَسُوءُ الظَّنِّ حَرَامٌ، وَإِنْ سَأَلْت غَيْرَهُ بِحَيْثُ يَدْرِي زَادَ الْإِيذَاءُ، وَإِنْ سَأَلْت بِحَيْثُ لَا يَدْرِي فَقَدْ تَجَسَّسَتْ وَأَسَأْت الظَّنَّ وَبَعْضُ الظَّنِّ إثْمٌ وَشُبْهَةٌ بِالْغِيبَةِ وَالنَّمِيمَةِ وَكُلُّ ذَلِكَ حَرَامٌ وَتَرْكُ الْوَرَعِ لَيْسَ بِحَرَامٍ فَلَيْسَ لَك إلَّا التَّلَطُّفُ بِالتَّرْكِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ إلَّا بِالْإِيذَاءِ فَعَلَيْك أَنْ تَأْكُلَ فَإِنَّ تَطْيِيبَ قَلْبِ الْمُسْلِمِ وَصِيَانَتَهُ عَنْ الْإِيذَاءِ أَهَمُّ مِنْ الْوَرَعِ فَإِنْ قُلْت لَوْ وَقَعَ طَعَامٌ حَرَامٌ فِي سُوقٍ فَهَلْ يُشْتَرَى مِنْ ذَلِكَ السُّوقِ؟ فَأَقُولُ إنْ تَحَقَّقَتْ أَنَّ الْحَرَامَ هُوَ الْأَكْثَرُ فَلَا تَشْتَرِ إلَّا بَعْدَ التَّفْتِيشِ، وَإِنْ عَلِمْت أَنَّ الْحَرَامَ كَثِيرٌ وَلَيْسَ بِالْأَكْثَرِ فَلَكَ الشِّرَاءُ وَالتَّفْتِيشُ الْوَرَعُ انْتَهَى.

، ثُمَّ قَالَ فِي النُّصْحِيَّةِ وَفِي الْأَخْذِ مِنْ الْوُلَاةِ لِلشُّيُوخِ طُرُقٌ قَالَ شَارِحُهَا قَالَ الْإِمَامُ أَبُو حَامِدٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِي مِنْهَاجِ الْعَابِدِينَ فَمَا تَقُولُ فِي جَوَائِزِ السَّلَاطِينِ فِي هَذَا الزَّمَانِ فَاعْلَمْ أَنَّ الْعُلَمَاءَ اخْتَلَفُوا فِيهِ فَقَالَ قَوْمٌ كُلِّ مَا لَا يُتَيَقَّنُ أَنَّهُ حَرَامٌ فَلَهُ أَخْذُهُ وَقَالَ آخَرُونَ لَا يَحِلُّ أَنْ يَأْخُذَ مَا لَا يُتَيَقَّنُ أَنَّهُ حَلَالٌ؛ لِأَنَّ الْأَغْلَبَ فِي هَذَا الْعَصْرِ الْحَرَامُ وَالْحَلَالُ فِي أَيْدِيهِمْ مَعْدُومٌ عَزِيزٌ قَالَ فِي الْإِحْيَاءِ فِي هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ وَكِلَاهُمَا إسْرَافٌ، ثُمَّ قَالَ فِي الْمِنْهَاجِ.

وَقَالَ قَوْمٌ صِلَاتُ السَّلَاطِينِ تَحِلُّ لِلْفَقِيرِ وَالْغَنِيِّ إذَا لَمْ يُتَحَقَّقْ أَنَّهَا حَرَامٌ وَإِنَّمَا التَّبَعَةُ عَلَى الْمُعْطِي وَقَالَ آخَرُونَ لَا يَحِلُّ مِنْ أَمْوَالِهِمْ شَيْءٌ لَا لِفَقِيرٍ، وَلَا لِغَنِيٍّ إذْ هُمْ مَوْسُومُونَ بِالظُّلْمِ وَالْغَالِبُ مِنْ أَمْوَالِهِمْ السُّحْتُ وَالْحَرَامُ وَالْحُكْمُ لِلْغَالِبِ وَقَالَ آخَرُونَ مَا لَا يُتَيَقَّنُ أَنَّهُ حَرَامٌ فَهُوَ حَلَالٌ لِلْفَقِيرِ دُونَ الْغَنِيِّ إلَّا أَنْ يَعْلَمَ الْفَقِيرُ أَنَّ ذَلِكَ عَيْنُ الْمَغْصُوبِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ إلَّا لِيَرُدَّهُ عَلَى مَالِكِهِ انْتَهَى. وَاخْتَارَ فِي الْإِحْيَاءِ أَنَّ الْحُكْمَ لِلْأَغْلَبِ فَإِنْ غَلَبَ الْحَرَامُ حَرُمَ، وَإِنْ غَلَبَ الْحَلَالُ وَفِيهِ حَرَامٌ مُتَيَقَّنٌ فَمَوْضِعُ تَوَقُّفٍ (وَفِي الْعُتْبِيَّةِ) سُئِلَ سَحْنُونٌ فَقِيلَ لَهُ قَدْ يَكُونُ الرَّجُلُ يَقْبَلُ صِلَاتِ السُّلْطَانِ وَيَأْكُلُ طَعَامَهُ وَسَلَاطِينُ هَذَا الزَّمَانِ مَنْ قَدْ عَلِمْت هَلْ تَسْقُطُ شَهَادَتُهُ بِذَلِكَ؟ فَإِنْ قُلْت أَنَّهُ يُجَرَّحُ بِذَلِكَ فَقَدْ قَبِلَ جَوَائِزَ السُّلْطَانِ مَنْ قَدْ عَلِمْت مِنْ أَئِمَّةِ الْهُدَى وَالْعِلْمِ قَدْ أَخَذَ ابْنُ عُمَرَ جَوَائِزَ الْحَجَّاجِ وَأَخَذَ ابْنُ شِهَابٍ جَوَائِزَ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ وَغَيْرَهُ مِنْ الْخُلَفَاءِ وَأَخَذَ مَالِكٌ جَوَائِزَ أَبِي جَعْفَرٍ الْمَنْصُورِ. فَإِنْ قُلْت إنَّهُمْ كَانُوا يَأْخُذُونَ عَلَى وَجْهِ الْخَوْفِ فَإِنَّ مِنْهُمْ مَنْ بَايَنَ السُّلْطَانَ وَتَرَكَ الْأَخْذَ مِنْهُ فَلَمْ يَرَ إلَّا خَيْرًا وَقَدْ ذُكِرَ أَنَّ أَبَا جَعْفَرٍ أَمَرَ لِمَالِكٍ بِثَلَاثِ صُرَرٍ دَنَانِيرَ فَاتَّبَعَهُ الرَّسُولُ بِهَا فَسَقَطَتْ صُرَّةٌ فِي الزِّحَامِ فَلَمَّا أَتَاهُ الرَّسُولُ بِالصُّرَّتَيْنِ سَأَلَهُ عَنْ الثَّالِثَةِ فَأَنْكَرَ أَنْ يَكُونَ أَخَذَ غَيْرَهُمَا فَأَلْزَمَهُ مَالِكٌ بِالثَّالِثَةِ وَأَلَحَّ عَلَيْهِ فِيهَا حَتَّى أَتَى بِهَا بَعْضُ مَنْ وَجَدَهَا فَدَفَعَهَا إلَيْهِ فَمَالِكٌ لَمْ يَفْعَلْ هَذَا إلَّا مُتَطَوِّعًا فَإِنْ رَأَيْت طَرْحَ شَهَادَةِ مَنْ أَخَذَ مِنْ السُّلْطَانِ فَجَمِيعُ الْقُضَاةِ مِنْهُ يُرْزَقُونَ وَإِيَّاهُ يَأْكُلُونَ فَقَالَ سَحْنُونٌ أَمَّا قَوْلُك هَلْ يَكُونُ مِنْ قَبِلَ جَوَائِزَ السُّلْطَانِ سَاقِطُ الشَّهَادَةِ فَمَنْ قَبِلَ ذَلِكَ مِنْ الْعُمَّالِ الْمَضْرُوبِ عَلَى أَيْدِيهِمْ فَهُوَ سَاقِطُ الشَّهَادَةِ عِنْدَنَا، وَأَمَّا الْأَكْلُ عِنْدَهُمْ فَمَنْ كَانَ ذَلِكَ مِنْهُ الزَّلَّةُ وَالْفَلْتَةُ فَغَيْرُ مَرْدُودِ الشَّهَادَةِ، وَأَمَّا مَرْدُودُ الْأَكْلِ عِنْدَهُمْ فَسَاقِطُ الشَّهَادَةِ، وَأَمَّا مَا احْتَجَجْت بِهِ مِنْ قَبُولِ ابْنِ شِهَابٍ وَمَالِكٍ لِجَوَائِز السُّلْطَانِ فَقَدْ قِسْت بِغَيْرِ قِيَاسٍ وَاحْتَجَجْت بِمَا لَا يُحْتَجُّ بِهِ؛ لِأَنَّ قَبُولَ مَالِكٍ وَابْنِ شِهَابٍ إنَّمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ وَجَوَائِزُ الْخُلَفَاءِ جَائِزَةٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>