تَرَتَّبَ فِي ذِمَّةِ الْبَائِعِ وَالْمُهْدِي فَهُوَ الْمُؤَاخَذُ بِهِ وَالْمَسْئُولُ عَنْهُ وَنَقَلَ ابْنُ بَطَّالٍ عَنْ الطَّبَرِيِّ أَنَّ مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ بِيَدِهِ مَالٌ لَا يَدْرِي مِنْ حَلَالٍ كَسْبُهُ أَوْ مِنْ حَرَامٍ فَإِنَّهُ لَا يَحْرُمُ قَبُولُهُ لِمَنْ أُعْطِيهِ بَعْدَ أَنْ لَا يَعْلَمَهُ حَرَامًا بِعَيْنِهِ قَالَ وَبِنَحْوِ هَذَا قَالَتْ الْأَئِمَّةُ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ تَرَكَهُ فَإِنَّمَا رَكِبَ فِي ذَلِكَ طَرِيقَ الْوَرَعِ وَتَجَنُّبِ الشُّبُهَاتِ؛ لِأَنَّ الْحَرَامَ لَا يَكُونُ إلَّا بَيِّنًا غَيْرَ مُشْكِلٍ وَنَحْوُ هَذَا قَالَ أَبُو عُمَرَ فِي تَمْهِيدِهِ وَقَالَ عَنْ سُفْيَانَ جَوَائِزُ السُّلْطَانِ أَحَبُّ إلَى مِنْ صِلَاتِ الْإِخْوَانِ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَمُنُّونَ وَالْإِخْوَانُ يَمُنُّونَ وَكَانَتْ هَدَايَا الْمُخْتَارِ تَأْتِي ابْنَ عُمَرَ وَابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ الْحَسَنُ لَا يَرُدُّ عَطَاءَهُمْ إلَّا الْأَحْمَقُ أَوْ مُرَاءٍ وَهَذَا فِيمَا لَا يُعْلَمُ فِيهِ الْحَرَامُ بِعَيْنِهِ انْتَهَى بِنَقْلِ الْمَوَّاقِ.
وَفِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ لِلْمُصَنِّفِ حَكَى لَنَا الْفَقِيهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْقَرَوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ السُّلْطَانَ أَبَا الْحَسَنِ الْمَرِينِيَّ دَعَا فُقَهَاءَ وَقْتِهِ إلَى وَلِيمَةٍ وَكَانُوا أَهْلَ عِلْمٍ وَدِينٍ فَكَانَ فِيهِمْ مَنْ قَالَ أَنَا صَائِمٌ وَمِنْهُمْ مَنْ أَكَلَ وَقَلَّلَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَكَلَ الْغَلَّاتِ كَالسَّمْنِ فَقَطْ وَمِنْهُمْ مَنْ شَمَّرَ لِلْأَكْلِ بِكُلِّهِ.
وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ هَاتُوا مِنْ طَعَامِ الْأَمِيرِ عَلَى وَجْهِ الْبَرَكَةِ فَإِنِّي صَائِمٌ فَسَأَلَهُمْ الشَّيْخُ وَأَظُنُّهُ أَبَا إبْرَاهِيمَ الْأَعْرَجَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ الْأَوَّلُ طَعَامُ شُبْهَةٍ تَسَتَّرْت مِنْهُ بِالصَّوْمِ كَمَا وَرَدَ وَقَالَ الثَّانِي كُنْت آكُلُ مِقْدَارَ مَا أَتَصَدَّقُ؛ لِأَنَّهُ مَجْهُولُ الْأَرْبَابِ وَالْمُبَاشِرُ كَالْغَاصِبِ وَقَالَ الثَّالِثُ أَعْتَمِدُ الْقَوْلَ بِأَنَّ الْغَلَّاتِ لِلْغَاصِبِ إذْ الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ وَقَالَ الرَّابِعُ طَعَامٌ مُسْتَهْلَكٌ تَرَتَّبَتْ الْقِيمَةُ فِي ذِمَّةِ مُسْتَهْلِكِهِ فَحَلَّ تَنَاوُلُهُ وَقَدْ مَكَّنَنِي مِنْهُ فَحَلَّ لِي وَقَالَ الْخَامِسُ طَعَامٌ مُسْتَحَقٌّ لِلْمَسَاكِينِ قَدَرْت عَلَى اسْتِخْلَاصِهِ فَاسْتَخْلَصْته وَأَوْصَلْته إلَى أَرْبَابِهِ وَكَانَ تَصَدَّقَ بِمَا أَخَذَ قَالَ الْمُصَنِّفُ هَذَا أَحْرَى بِالصَّوَابِ لِجَمْعِهِ بَيْنَ الْفِقْهِ وَالْوَرَعِ وَمَا فَعَلَهُ الرَّابِعُ هُوَ صَرِيحُ الْفِقْهِ وَلُبَابِهِ وَبِالْجُمْلَةِ فَالْإِنْسَانُ فَقِيهُ نَفْسِهِ بَعْدَ التَّوَقُّفِ فِي مَوْقِفِ الِاشْتِبَاهِ وَمَنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ بَصِيرَةٌ فَعَلَيْهِ بِالتَّحَفُّظِ مَا أَمْكَنَ وَقَدْ جَزَمَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ بِتَحْرِيمِ أَمْوَالِ الظَّلَمَةِ وَأَنْكَرَهُ عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ قَائِلًا يَحْمِلُهُ الْوَرَعُ عَلَى ذَلِكَ وَلَوْ تَوَرَّعَ فِي دِينِ اللَّهِ أَنْ يَقُولَ فِيهِ غَيْرَ مَا هُوَ حُكْمُ اللَّهِ كَانَ خَيْرًا انْتَهَى. بِنَقْلِ سَيِّدِي أَحْمَدَ أُقَيْتٍ قَالَ فِي النَّصِيحَةِ وَهَذَا مَعَ الْجَهْلِ قَالَ شَارِحُهَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ الْأَئِمَّةِ الْمُجِيزِينَ التَّقْيِيدَ بِمَا إذَا لَمْ يَتَبَيَّنْ أَنَّ الْمَأْخُوذَ مِنْ الْحَرَامِ اهـ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.
(مَا قَوْلُكُمْ) فِي رَجُلٍ لَهُ ثُلُثُ بَيْتٍ تَرَكَهُ وَأَقَامَ فِي بَلَدٍ آخَرَ مُدَّةً، ثُمَّ رَجَعَ لَهُ فَوَجَدَ بِنْتَ أُخْتِهِ سَاكِنَةً فِيهِ فَسَكَنَ مَعَهَا فِيهِ وَوَهَبَهُ لَهَا وَاسْتَمَرَّ سَاكِنًا مَعَهَا فِيهِ حَتَّى مَاتَ فَأَرَادَ وَارِثُهُ إخْرَاجَهَا وَأَخْذَ الثُّلُثِ الْمَوْهُوبِ لَهَا فَهَلْ لَهُ ذَلِكَ أَفِيدُوا الْجَوَابَ.
فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ لَهُ ذَلِكَ حَيْثُ لَمْ تَحُزْ الثُّلُثَ الْمَوْهُوبَ بَعْدَ الْهِبَةِ وَقَبْلَ عَوْدِ الْوَاهِبِ لِسُكْنَاهُ عَامًا فَأَكْثَرَ كَمَا فِي الْمُخْتَصَرِ وَشُرُوحِهِ وَابْنُ سَلْمُونٍ. وَابْنُ هَارُونَ قَالَ وَلَوْ وَهَبَهَا هُوَ أَيْ وَهَبَ الزَّوْجُ زَوْجَهُ الدَّارَ فَأَسْكَنَتْهُ فِيهَا حَتَّى مَاتَ بَطَلَتْ الْهِبَةُ إلَّا أَنْ تَكُونَ قَدْ حَازَتْهَا بِخُرُوجِهَا عَنْهَا عَامًا أَوْ عَامَيْنِ فَتَصِحُّ لَهَا انْتَهَى.
وَقَالَ ابْنُ سَلْمُونٍ، وَإِذَا رَجَعَ الْمُتَصَدِّقُ إلَى دَارِ الصَّدَقَةِ بِإِسْكَانٍ أَوْ إعْمَارٍ أَوْ اكْتِرَاءٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ فَسَدَتْ الصَّدَقَةُ، وَإِنْ كَانَ الْمُتَصَدَّقُ عَلَيْهِ قَدْ حَازَهَا قَبْلَ ذَلِكَ أَقَلَّ مِنْ سَنَةٍ وَكَذَلِكَ إنْ كَتَبَ لَهُ الْمُتَصَدَّقُ عَلَيْهِ كِتَابًا بِالْكِرَاءِ أَوْ السُّكْنَى أَوْ الْإِمْتَاعِ وَلَوْ يُعَمِّرُهَا الْمُتَصَدِّقُ فَهُوَ أَيْضًا بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ سَكَنَ أَوْ عَمَّرَ، وَهِيَ بَاطِلَةٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُرِيدًا أَوْ طَرِيدًا فَآوَاهُ فَهُوَ كَلَا رُجُوعَ، وَلَا يَضُرُّ ذَلِكَ الصَّدَقَةَ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الرُّجُوعُ بِالْإِرْفَاقِ أَوْ الْكِرَاءِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute