وَإِنْ كَانَ الْقَتِيلُ أَوْ الْجَرِيحُ مِنْ غَيْرِ الْفَرِيقَيْنِ فَعَقْلُهُ عَلَى الْفَرِيقَيْنِ مَعًا وَفِيهَا لَيْسَ فِيمَنْ قُتِلَ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ قَسَامَةٌ.
الْجَلَّابُ إنْ اقْتَتَلَتْ فِئَتَانِ ثُمَّ افْتَرَقَتَا عَنْ قَتِيلٍ فَفِيهَا رِوَايَتَانِ إحْدَاهُمَا لَا قَوْدَ فِيهِ وَدِيَتُهُ عَلَى الْفِئَةِ الَّتِي نَازَعَتْهُ إنْ كَانَ مِنْ الْفِئَةِ الْأُخْرَى وَمِنْ غَيْرِهِمَا دِيَتُهُ عَلَيْهِمَا مَعًا وَالْأُخْرَى أَنَّ وُجُودَهُ بَيْنَهُمَا مَعًا لَوْثٌ يُوجِبُ الْقَسَامَةَ لِأَوْلِيَائِهِ فَيَقْسِمُونَ عَلَى مَنْ ادَّعَوْا عَلَيْهِ قَتْلَهُ وَيَقْتُلُونَهُ بِهِ وَلِابْنِ رُشْدٍ فِي شَرْحِهِ قِيلَ فِي قَوْلِهِ لَا قَسَامَةَ فِيمَنْ قُتِلَ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ لَا قَسَامَةَ بِحَالٍ لَا بِقَوْلِ الْمَقْتُولِ وَلَا بِشَاهِدٍ عَلَى الْقَتْلِ وَهِيَ رِوَايَةُ سَحْنُونَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَقِيلَ لَا قَسَامَةَ بَيْنَهُمْ بِدَعْوَى أَوْلِيَاءِ الْقَتِيلِ عَلَى الطَّائِفَةِ وَلَوْ دَمِيَ الْقَتِيلُ عَلَى أَحَدٍ أَوْ شَهِدَ بِهِ عَدْلٌ كَانَتْ الْقَسَامَةُ وَهُوَ سَمَاعُ عِيسَى وَغَيْرِهِ وَقَوْلُ أَشْهَبَ لِأَنَّ كَوْنَهُ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ لَمْ يَرُدَّ دَعْوَاهُ إلَّا قُوَّةً وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِقَوْلِهِ وَلَا بِشَاهِدٍ أَنْ يَكُونَ مِنْ طَائِفَةِ الْمُدْمِي إذْ لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ أَحَدٍ مِنْ إحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ عَلَى أَحَدٍ مِنْ الْأُخْرَى وَعَلَى قَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ إذَا جُرِحَ أَحَدٌ مِنْهُمْ فَعَقْلُ جُرْحِهِ عَلَى الطَّائِفَةِ الَّتِي نَازَعَتْهُ وَلَا يُقْتَصُّ لِأَحَدٍ بِقَوْلِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ شَاهِدٌ مِنْ غَيْرِ الطَّائِفَتَيْنِ وَمَعَ شَاهِدٍ مِنْ طَائِفَةِ الْقَاتِلِ فَعَلَى الْخِلَافِ فِي الْقَسَامَةِ بِغَيْرِ الْعَدْلِ، وَأَمَّا شَاهِدٌ مِنْ طَائِفَةِ الْمَقْتُولِ فَلَا إشْكَالَ فِي عَدَمِ قَبُولِهِ.
الْبَاجِيُّ إنْ كَانَ الْقَتِيلُ مِنْ غَيْرِ الطَّائِفَتَيْنِ أَوْ لَمْ يُعْرَفْ مِنْ أَيِّهِمَا هُوَ فَعَقْلُهُ فِي أَمْوَالِهِمَا وَلَوْ مَشَتْ إحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ إلَى الْأُخْرَى بِالسِّلَاحِ إلَى مَنَازِلِهِمْ ضَمِنَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مَا قَتَلَتْ مِنْ الْأُخْرَى رَوَاهُ مُحَمَّدٌ وَابْنُ عَبْدُوسٍ لِأَنَّ الْمَزْحُوفَ إلَيْهَا لَوْ شَاءُوا لَمْ يَقْتُلُوهُمْ وَرَفَعُوا أَمْرَهُمْ إلَى السُّلْطَانِ فِي الْمَجْمُوعَةِ وَهَذَا إنْ أَمْكَنَ السُّلْطَانُ الْحَجْزَ بَيْنَهُمْ وَلَوْ عَاجَلُوهُمْ نَاشَدُوهُمْ اللَّهَ فَإِنْ أَبَوْا فَالسَّيْفُ وَنَحْوُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ.
قُلْت هُوَ مَا فِي الْجِهَادِ فِي مَسْأَلَةِ السَّلَّابَةِ وَنَحْوِهَا هَذِهِ لِأَنَّهُمْ كُلَّهُمْ عَادُونَ وَمِنْ سَمَاعِ عِيسَى وَلَوْ قَاتَلُوا بِالتَّأْوِيلِ فَلَا شَيْءَ فِيمَنْ قُتِلَ وَإِنْ عُرِفَ الْقَاتِلُ وَلَا دِيَةَ.
ابْنُ رُشْدٍ مِثْلُ ذَلِكَ فِي الْأَثَرِ فِي الْجِهَادِ وَمِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مَنْ يَرَى أَنَّهُ يُقَادُ مِنْهُمْ أَوْ يُقْتَصُّ وَهُوَ قَوْلُ أَصْبَغَ وَعَطَاءٍ وَالْخِلَافُ فِي الْقِصَاصِ سَوَاءٌ تَابَ أَوْ أُخِذَ وَلَا يُقَامُ عَلَيْهِ حَدُّ الْحِرَابَةِ وَإِنْ أُخِذَ عَنْوَةً وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهُ مَا أَخَذَ مِنْ مَالٍ وَلَوْ كَانَ مُوسِرًا إلَّا أَنْ يَكُونَ بِعَيْنِهِ فَيُرَدُّ إلَى رَبِّهِ انْتَهَى الْمُرَادُ مِنْهُ قَالَ فِي الْمُخْتَصَرِ وَإِنْ انْفَصَلَتْ بُغَاةٌ عَنْ قَتْلَى وَلَمْ يُعْلَمُ الْقَاتِلُ فَهَلْ لَا قَسَامَةَ وَلَا قَوْدَ مُطْلَقًا أَوْ إنْ تَجَرَّدَ عَنْ تَدْمِيَةٍ وَشَاهِدٍ أَوْ عَنْ الشَّاهِدِ فَقَطْ تَأْوِيلَاتٌ قَالَ الْخَرَشِيُّ الْمُرَادُ بِالْبَاغِيَةِ جَمَاعَةُ الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ قَاتَلَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا لِعَدَاوَةٍ أَوْ غَارَةٍ ثُمَّ قَالَ وَفُهِمَ مِنْ قَوْلِهِ وَلَمْ يُعْلَمْ الْقَاتِلُ أَنَّهُ لَوْ عُلِمَ بِبَيِّنَةٍ اُقْتُصَّ مِنْهُ قَالَهُ مَالِكٌ قَالَ الْعَدَوِيُّ لَا بُدَّ مِنْ كَوْنِ الْبَيِّنَةِ مِنْ غَيْرِ الْبُغَاةِ، وَأَمَّا مِنْ الْبُغَاةِ فَلَا تُعْتَبَرُ وَلَوْ مِنْ طَائِفَةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ بِالْقَتْلِ لِعَدَمِ الْعَدَالَةِ لِحُصُولِ الْبَغْيِ.
(تَنْبِيهٌ) قَالَ اللَّقَانِيُّ وَالْمَسْأَلَةُ مُشْكِلَةٌ مِنْ أَصْلِهَا لِأَنَّهُمْ مُتَمَالِئُونَ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُنْظَرَ فَإِنْ كَانَ الْقَتِيلُ مِنْ إحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ اُقْتُصَّ مِنْ الْأُخْرَى وَإِنْ كَانَ مِنْ الطَّائِفَتَيْنِ اُقْتُصَّ مِنْ كُلٍّ لِلْأُخْرَى إلَّا أَنَّ الْحُكْمَ وَقَعَ فِي الْمَسْأَلَةِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ فِي زَمَنِ الصَّحَابَةِ وَهِيَ مُشْكِلَةٌ اهـ وَقَرَّرَ بَعْضُ شُيُوخِنَا فَقَالَ كَانَ الْقِيَاسُ قَتْلَ الْجَمِيعِ فِي إحْدَاهُمَا بِقَتْلِ وَاحِدٍ لِأَنَّهُمْ مُتَمَالِئُونَ لَكِنْ لَمْ يُنْظَرْ لِذَلِكَ هُنَا كَمَا حَكَمَ بِذَلِكَ الصَّحَابَةُ اهـ وَدَفَعَ الْإِشْكَالَ فِي شَرْحِ الْمَجْمُوعِ بِقَوْلِهِ وَلَمْ يَجْعَلُوا هَذَا مِنْ التَّمَالُؤِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَمُوتَ مَنْ فَعَلَهُ أَوْ فِرْقَتُهُ اهـ قَالَ فِي الْمُخْتَصَرِ وَإِنْ تَأَوَّلُوا فَهَدَرٌ كَزَاحِفَةٍ عَلَى دَافِعَةٍ اهـ قَالَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute