كَالنُّجُومِ بِأَيِّهِمْ اقْتَدَيْتُمْ اهْتَدَيْتُمْ» فَجَوَابُهُ أَنَّ الْحَدِيثَ إنَّمَا يَحْسُنُ اسْتِدْلَالُكُمْ بِهِ بَعْدَ تَسْلِيمِ صِحَّتِهِ، وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْبَرِّ وَأَمَّا عَلَى مَذْهَبِ الْبَزَّارِ فَلَا لِأَنَّ الْحَدِيثَ عِنْدَهُ ضَعِيفٌ قَالَ لِأَنَّهُ رُوِيَ مِنْ قِبَلِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدٍ وَأَهْلُ الْعِلْمِ قَدْ سَكَتُوا عَنْ رِوَايَةِ حَدِيثِهِ وَعَلَى صِحَّتِهِ فَقَدْ قَالَ الْمُزَنِيّ مَعْنَاهُ عِنْدِي فِيمَا نَقَلُوهُ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَشَهِدُوا بِهِ عَلَيْهِ فَكُلُّهُمْ ثِقَةٌ مُؤْتَمَنٌ عَلَى مَا جَاءَ بِهِ لَا يَجُوزُ عِنْدِي غَيْرُ هَذَا وَأَمَّا مَا قَالُوا فِيهِ بِرَأْيِهِمْ فَلَوْ كَانُوا عِنْدَ أَنْفُسِهِمْ كَذَلِكَ مَا خَطَّأَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَلَا أَنْكَرَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَا رَجَعَ أَحَدٌ مِنْهُمْ إلَى قَوْلِ صَاحِبِهِ، قَالَ أَبُو عُمَرَ وَلَيْسَ هَذَا الصَّحِيحَ عَلَى كُلِّ حَالٍ لِأَنَّ الِاقْتِدَاءَ بِأَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُنْفَرِدِينَ إنَّمَا هُوَ لِمَنْ جَهِلَ مَا يَسْأَلُ عَنْهُ، وَمَنْ كَانَتْ هَذِهِ سَبِيلَهُ فَالتَّقْلِيدُ لَازِمٌ لَهُ بِأَمْرِ أَصْحَابِهِ أَنْ يَقْتَدِيَ بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ إذَا تَأَوَّلُوا تَأْوِيلًا سَائِغًا جَائِزًا مُمْكِنًا فِي أُصُولٍ إذْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ نَجْمٌ جَائِزٌ أَنْ يَقْتَدِيَ بِهِ الْعَامِّيُّ الْجَاهِلُ بِمَعْنًى يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ دِينِهِ وَكَذَا سَائِرُ الْعُلَمَاءِ مَعَ الْعَامَّةِ اهـ.
فَعَلَى قَوْلِ الْبَزَّازِ وَتَفْسِيرُ الْمُزَنِيِّ لَا يَخْفَى عَلَيْكُمْ مَا فِي اسْتِدْلَالِكُمْ بِالْحَدِيثِ، وَعَلَى قَوْلِ أَبِي عُمَرَ تَفْسِيرُهُ فَالِاسْتِدْلَالُ نَاهِضٌ لَكِنَّهُ فِي حَقِّ الْعَامِّيِّ الَّذِي لَا مَيْزَ مَعَهُ وَلَا بَصَرَ.
وَأَمَّا قَوْلُكُمْ وَيَشْهَدُ لَهُ أَيْضًا مِنْ كَلَامِ الْعُلَمَاءِ ظَوَاهِرُ إطْلَاقَاتِهِمْ فِي تَعَارِيفِهِمْ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ مَنْ قَلَّدَ عَالِمًا فَقَدْ بَرِئَ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى، وَقَوْلُهُمْ اخْتِلَافُ الْعُلَمَاءِ رَحْمَةٌ فَجَوَابُهُ أَنَّ أَبَا عُمَرَ قَالَ الِاخْتِلَافُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ عِنْدَ أَحَدٍ مِمَّنْ عَلِمْته مِنْ فُقَهَاءِ الْأَعْصَارِ إلَّا مَنْ لَا بَصَرَ لَهُ وَلَا مَعْرِفَةَ عِنْدَهُ وَلَا حُجَّةَ فِي قَوْلِهِ اهـ.
وَقَدْ قَدَّمْنَا كَلَامَ الشَّاطِبِيِّ وَابْنِ الصَّلَاحِ صَدْرَ هَذَا الْجَوَابِ فَأَغْنَى عَنْ إعَادَتِهِ فَرَاجِعْهُ ثَمَّةَ وَطَالِعْهُ تَطَّلِعْ. وَأَمَّا قَوْلُهُمْ مَنْ قَلَّدَ عَالِمًا فَقَدْ بَرِئَ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى فَيَعْنُونَ بِشُرُوطِهِ وَهِيَ ثَلَاثَةٌ عَلَى مَا نُصَّ عَلَيْهِ فِي التَّنْقِيحَاتِ نَقْلًا عَنْ الرِّيَاشِيِّ فَانْظُرْهَا. وَأَمَّا قَوْلُكُمْ: وَكَقَوْلِهِمْ أَيْضًا فِي الْخَصْمَيْنِ إذَا رَضِيَا بِتَقْلِيدِ غَيْرِ الْمَشْهُورِ فَإِنَّ رِضَاهُمَا بِهِ بِمَنْزِلَةِ حُكْمِ الْحَاكِمِ وَيَرْفَعُ الْخِلَافَ عَنْ الْمَسْأَلَةِ بِالْكُلِّيَّةِ وَتَصِيرُ الْمَسْأَلَةُ حِينَئِذٍ فِي حَقِّهِمَا إجْمَاعِيَّةً فَجَوَابُهُ أَنَّ الْقَوْلَ الشَّاذَّ حُجَّةٌ لِمَنْ قَلَّدَهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّهِ مِنْ الْحُقُوقِ الدِّينِيَّةِ مِنْ صَلَاةٍ وَصَوْمٍ وَغَيْرِهِمَا وَإِنْ كَانَ بَعِيدًا عَنْ وَرَعِ الْعُدُولِ الْأَقْوِيَاءِ فِي نَيْلِ الثَّوَابِ فَمَنْ أَخَذَ بِهِ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مِنْ الْأَحْكَامِ الظَّاهِرَةِ تَعْزِيرٌ وَلَا حَدٌّ وَإِنَّ أَمْرَهُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَمِنْهُمْ مَنْ يَرَى حَدَّهُ وَتَعْزِيرَهُ إذَا أَقَرَّ بِالتَّعَمُّدِ لِأَنَّ الضَّعِيفَ لَا يُدْرَأُ كَمَا فِي نِكَاحِ الْمُتْعَةِ عَلَى بَعْضِ الْأَقْوَالِ.
وَأَمَّا قَوْلُكُمْ إنَّ رِضَا الْخَصْمَيْنِ بِالشَّاذِّ بِمَنْزِلَةِ حُكْمِ الْحَاكِمِ إلَخْ فَكَلَامٌ صَحِيحٌ، وَالْأَمْرُ كَمَا ذَكَرْتُمْ لَكِنَّهُ مَشْرُوطٌ بِأَمْرَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ لَا يَنْزِعَ أَحَدُهُمَا.
وَأَمَّا إنْ نَزَعَ أَحَدُهُمَا عَنْ رِضَاهُ فَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا يُمَكَّنُ مِنْ ذَلِكَ وَتَرَاضِيهِمَا أَوَّلًا بِتَقْلِيدِ أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ يُصَيِّرُهُ كَقَوْلٍ مُجْمَعٍ عَلَيْهِ وَخَالَفَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute