لِقَوْلِ بَعْضِهِمْ الصَّحِيحُ أَنَّهُ أُمُورٌ خَيَالِيَّةٌ تُوجِبُ تَأْثِيرًا فِي النُّفُوسِ يَقَعُ بِسَبَبِهَا مَفَاسِدُ عَلَى حَسَبِ مَا تَشَكَّلَتْ بِهِ النُّفُوسُ مِنْ تِلْكَ الْأَفْعَالِ الَّتِي تَظْهَرُ مِنْ فِعْلِ السِّحْرِ وَلَا حَقِيقَةَ لَهُ عِنْدَ التَّحْقِيقِ.
ثُمَّ قَالَ الْبُرْزُلِيُّ وَالصَّوَابُ أَنَّ اسْتِنْزَالَ الرُّوحَانِيَّاتِ وَخِدْمَةَ مُلُوكِ الْجَانِّ مِنْ عِلْمِ السِّيمَاءِ وَهُوَ السِّحْرُ وَهُوَ الَّذِي أَضَرَّ الْحَاكِمَ الْعُبَيْدِيَّ لَعَنَهُ اللَّهُ حَتَّى ادَّعَى الْأُلُوهِيَّةَ وَلَعِبْت بِهِ الشَّيَاطِينُ حَتَّى طَلَبَ الْمُحَالَ وَهُوَ مَجْبُولٌ عَلَى النَّقْصِ وَفِعْلِ أَفَاعِيلِ مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ وَالْمَعْصِيَةُ بِحَسَبِ مُتَعَلِّقِهَا وَمُتَعَلِّقُ أَفْعَالِ خِدْمَةِ الْجِنِّ الْكُفْرُ وَكَبَائِرُ الْمَعَاصِي.
وَفِي النَّوَادِرِ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ أَنَّ السَّاحِرَ كَافِرٌ بِاَللَّهِ فَإِذَا سَحَرَ هُوَ بِنَفْسِهِ قُتِلَ وَلَمْ يُسْتَتَبْ وَالسِّحْرُ كُفْرٌ قَالَ مَالِكٌ هُوَ كَالزِّنْدِيقِ إذَا عَمِلَ السِّحْرَ بِنَفْسِهِ وَقَدْ أَمَرَتْ حَفْصَةُ فِي جَارَةٍ لَهَا سَحَرَتْهَا أَنْ تُقْتَلَ فَقُتِلَتْ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ وَهُوَ كَالزِّنْدِيقِ مِيرَاثُهُ لِوَرَثَتِهِ الْمُسْلِمِينَ إنْ كَانَ لِلسِّحْرِ وَالزَّنْدَقَةِ مَظْهَرٌ اُسْتُتِيبَ فَإِنْ لَمْ يَتُبْ قُتِلَ وَمَالُهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ وَحَكَى عَبْدُ الْوَهَّابِ أَنَّهُ لَا يُسْتَتَابُ وَلَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ وَحُمِلَ عَلَيْهِ قَوْلُ مَالِكٍ إنَّهُ كُفْرٌ وَنَحْوُهُ مَا لِابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ لِأَصْبَغَ وَمُحَمَّدٍ وَهُوَ الصَّوَابُ لِأَنَّ الزَّنْدَقَةَ إظْهَارُ الْإِيمَانِ وَإِخْفَاءُ الْكُفْرِ وَهَذَا مَظْهَرٌ لِلْكُفْرِ ثُمَّ قَالَ الْبُرْزُلِيُّ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ رَوَى ابْنُ نَافِعٍ فِي الْمَبْسُوطِ فِي امْرَأَةٍ أَقَرَّتْ أَنَّهَا عَقَدَتْ زَوْجَهَا عَنْ نَفْسِهَا أَوْ غَيْرِهَا فَإِنَّهَا تُنَكَّلُ وَلَا تُقْتَلُ قَالَ وَلَوْ سَحَرَ نَفْسَهُ لَمْ يُقْتَلْ بِذَلِكَ قَالَ شَيْخُنَا الْإِمَامُ وَالْأَظْهَرُ أَنَّ فِعْلَ الْمَرْأَةِ سِحْرٌ وَأَنَّ كُلَّ فِعْلٍ يَنْشَأُ عَنْهُ حَادِثٌ فِي أَمْرٍ مُنْفَصِلٍ عَنْ مُحَالِ الْفِعْلِ فَإِنَّهُ سِحْرٌ وَعَنْ ابْنِ أَبِي زَيْدٍ عَمَّنْ يَعْرِفُ الْجِنَّ وَعِنْدَهُ كُتُبٌ فِيهَا جَلْبُ الْجِنِّ وَأُمَرَائِهِمْ وَالْعَفَارِيتِ وَيُعْزِمُ فَيَصْرَعُ الْمَصْرُوعَ وَيَزْجُرُ مَرَدَةَ الْجِنِّ عَنْ الصَّرْعَةِ وَيَحِلُّ مَنْ عُقِدَ عَنْ امْرَأَتِهِ وَيَكْتُبُ كِتَابَ عَطْفِ الرَّجُلِ عَلَى امْرَأَتِهِ وَيَزْعُمُ أَنَّهُ يَقْتُلُ الْجِنَّ أَتَرَى بِهَذَا بَأْسًا إذَا كَانَ لَا يُؤْذِي أَحَدًا أَوْ يُنْهَى نَدْبًا أَنْ يَتَعَلَّمَهُ فَقَالَ إذَا كَانَ لَا يَقْتُلُ أَحَدًا وَلَا يَصْرَعُ بَرِيئًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَيُنْهَى نَدْبًا أَنْ يَتَعَلَّمَهُ.
قُلْت هَذَا نَحْوُ مَا أَنْكَرَهُ شَيْخُنَا مِنْ عَقْدِ الْمَرْأَةِ زَوْجَهَا وَلَا يَقْتُلُ السَّاحِرَ إلَّا الْإِمَامُ قَالَ أَصْبَغُ وَلَيْسَ لِسَيِّدِهِ قَتْلُهُ وَلَا يُقْتَلُ حَتَّى يَثْبُتَ أَنَّ مَا فَعَلَهُ مِنْ السِّحْرِ الَّذِي وَصَفَهُ اللَّهُ بِأَنَّهُ كُفْرٌ قَالَ أَصْبَغُ يَكْشِفُ عَنْ ذَلِكَ مَنْ يَعْلَمُ حَقِيقَةَ السِّحْرِ وَيَثْبُتُ ذَلِكَ عِنْدَ الْإِمَامِ.
وَفِي الْمَوَّازِيَّةِ الَّذِي يَقْلَعُ أُذُنَ الرَّجُلِ أَوْ يُدْخِلُ السِّكِّينَ فِي جَوْفِ نَفْسِهِ إنْ كَانَ سِحْرًا قُتِلَ وَإِنْ كَانَ خِلَافَهُ عُوقِبَ.
وَسُئِلَ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ عَنْ الَّذِينَ يَجْلِسُونَ فِي الطُّرُقَاتِ وَلَهُمْ مَلَاعِبُ يُرُونَ النَّاسَ أَنَّهُمْ يَقْطَعُونَ رَأْسَ الْإِنْسَانِ ثُمَّ يَدْعُونَهُ فَيَجِيئُهُمْ حَيًّا وَيَجْعَلُونَ مِنْ الثِّيَابِ دَرَاهِمَ وَدَنَانِيرَ وَيَقْطَعُونَ السِّلْسِلَةَ هَلْ تَرَاهُمْ بِهَذَا الْفِعْلِ سَحَرَةً فَقَالَ إنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ كُفْرٌ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمْ وَإِنَّمَا هِيَ خِفَّةُ يَدٍ وَمَلَاعِبُ.
قُلْت هَذَا خِلَافُ مَا اخْتَارَهُ شَيْخُنَا الْإِمَامُ فِي أَصْحَابِ الْحِلَقِ الَّذِينَ يَجْلِسُونَ بِبَابِ الْمَنَارَةِ وَغَيْرِهِ أَنَّهُمْ سَحَرَةٌ وَأَنَّ الْوُقُوفَ عَلَيْهِمْ لَا يَجُوزُ وَهُوَ يُشْبِهُ ظَاهِرَ الرِّوَايَاتِ انْتَهَى كَلَامُ الْبُرْزُلِيِّ بِتَصَرُّفٍ وَمُلَخَّصُهُ أَنَّ مُخْتَارَهُ وَابْنُ عَرَفَةَ أَنَّ خِدْمَةَ الرُّوحَانِيِّينَ سِحْرٌ وَأَنَّ فِعْلَ عَقْدِ الزَّوْجِ عَنْ زَوْجَتِهِ وَنَحْوِهِ سِحْرٌ وَأَنَّ فِعْلَ الْحُوَاةِ وَنَحْوِهِمْ كَذَلِكَ وَأَنَّ السَّاحِرَ إنْ كَانَ يَظْهَرُ سِحْرُهُ يُسْتَتَابُ فَإِنْ لَمْ يَتُبْ يُقْتَلُ وَإِنْ كَانَ يُخْفِيهِ يُقْتَلُ بِلَا اسْتِتَابَةٍ وَلَا قَبْرَ لَهُ وَعِبَارَةُ الْخَرَشِيِّ فِي شَرْحِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَسِحْرُ هَذَا جَامِعٌ لِلَّفْظِ الَّذِي يَقْتَضِيهِ وَالْفِعْلُ الَّذِي يَتَضَمَّنُهُ وَالْمَشْهُورُ أَنَّ تَعَلُّمَ السِّحْرِ كُفْرٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute