للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَبِهِ يَقُولُ اللَّيْثُ قَالَ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَلَقَدْ أَحْسَنَ الْقَائِلُ:

إثْبَاتُ ضِدَّيْنِ مَعًا فِي حَالٍ ... أَقْبَحُ مَا يَأْتِي مِنْ الْمُحَالِ

وَلَوْ كَانَ الصَّوَابُ فِي وَجْهَيْنِ مُخْتَلِفِينَ مَا خَطَّأَ السَّلَفُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا فِي اجْتِهَادِهِمْ وَقَضَايَاهُمْ أَوْ فَتْوَاهُمْ وَانْظُرْ كَيْفَ صَرَّحَ بِأَنَّ الصَّوَابَ تَصْوِيبُ الْوَاحِدِ مِنْ الْمُجْتَهِدِينَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مَالِكٌ الْإِمَامُ وَهُوَ اخْتِيَارُ فَخْرِ الدَّيْنِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْأَئِمَّةِ الْأَعْلَامِ وَعَلَى هَذَا فَالْقَوْلَانِ فِي تَصْوِيبِ الْمُجْتَهِدِينَ أَوْ وَاحِدٍ صَحِيحَانِ وَأَمَّا قَوْلُكُمْ وَرُبَّمَا حَكَى الْإِجْمَاعَ فِي مَوَاضِعَ مِنْ كِتَابِهِ وَنَحْوُهُ عَنْ ابْنِ حَزْمٍ. فَجَوَابُهُ أَنْ تَعْلَمَ أَنَّ أَبَا إِسْحَاقَ الشَّاطِبِيَّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إنَّمَا حَكَى الْإِجْمَاعَ الَّذِي أَشَرْتُمْ إلَيْهِ عَلَى مَنْعِ التَّرْجِيحِ بِغَيْرِ الْمَعْنَى الْمُعْتَبَرِ شَرْعًا كَتَرْجِيحِ أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ بِالصُّحْبَةِ وَالْإِمَارَةِ وَقَضَاءِ الْحَاجَةِ حَسْبَمَا تَقَدَّمَ فِي الْمُقَدِّمَةِ وَاَلَّذِي حَكَى ابْنُ حَزْمٍ الْإِجْمَاعَ عَلَى امْتِنَاعِهِ وَرَدَّهُ ابْنُ عَرَفَةَ بِفَتْوَى عِزِّ الدِّينِ إنَّمَا هُوَ فِي تَتَبُّعِ رُخَصِ الْمَذَاهِبِ مِنْ غَيْرِ اسْتِنَادٍ إلَى دَلِيلٍ شَرْعِيٍّ وَبَيْنَهُمَا مِنْ الْبَوْنِ مَا لَا يَخْفَاكُمْ وَلْيَكُنْ هَذَا آخِرَ مَا ظَهَرَ تَقْيِيدُهُ جَوَابًا عَنْ السُّؤَالِ، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ وَلَهُ الْمِنَّةُ بِكُلِّ حَالٍ انْتَهَى، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ.

(مَا قَوْلُكُمْ) فِي شَافِعِيٍّ حَضَرَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً وَحَصَلَ لَهُ انْقِطَاعٌ فِي الرِّيفِ فَدَرَسَ فِي مَذْهَبِ الْإِمَامِ مَالِكٍ وَالْحَالُ أَنَّهُ لَمْ يَتَلَقَّهُ عَنْ شَيْخٍ فَهَلْ يَجُوزُ لَهُ أَوْ لَا أَفِيدُوا الْجَوَابَ.

فَأَجَبْتُ بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ لَا يَجُوزُ لَهُ التَّدْرِيسُ وَلَا الْفَتْوَى عَلَى مَذْهَبِ الْإِمَامِ مَالِكٍ اعْتِمَادًا عَلَى مَا فِي الْكُتُبِ إذْ فِيهَا فُرُوعٌ كَثِيرَةٌ مُحْتَاجَةٌ لِقُيُودٍ لَا تُعْلَمُ إلَّا مِنْ أَفْوَاهِ الرِّجَالِ وَفِيهَا فُرُوعٌ كَثِيرَةٌ مُقَيَّدَةٌ لَا مَفْهُومَ لِقُيُودِهَا وَلَا يُعْلَمُ ذَلِكَ إلَّا مِنْهُمْ وَفِيهَا عِبَارَاتٌ كَثِيرَةٌ ظَاهِرُهَا غَيْرُ مُرَادٍ وَفِيهَا مَوَاضِعُ كَثِيرَةٌ غَامِضَةٌ لَا يُفْهَمُ مَعْنَاهَا إلَّا بِالتَّلَقِّي وَفِيهَا فُرُوعٌ كَثِيرَةٌ مُخَالِفَةٌ لِلْمَشْهُورِ وَفِيهَا فُرُوعٌ كَثِيرَةٌ جَرَى الْعَمَلُ بِخِلَافِهَا وَفِيهَا فُرُوعٌ كَثِيرَةٌ يَخْتَلِفُ الْحُكْمُ فِيهَا بِاخْتِلَافِ الْعُرْفِ وَفِيهَا غَيْرُ ذَلِكَ فَالْمُعْتَمِدُ عَلَيْهَا مِنْ غَيْرِ تَلَقٍّ لَا يُؤْمَنُ عَلَيْهِ مِنْ إبَاحَةِ فَرْجٍ حَرَّمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَإِرَاقَةِ دَمٍ عَصَمَهُ اللَّهُ وَإِزَالَةِ مِلْكٍ أَثْبَتَهُ اللَّهُ وَضِدِّهَا وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْمَفَاسِدِ الَّتِي لَا تُحْصَى قَالَ الْإِمَامُ ابْنُ رُشْدٍ لَا يَجُوزُ لِمَنْ لَمْ يُعْنَ بِالْعِلْمِ وَلَا سَمِعَهُ وَلَا رَوَاهُ الْجُلُوسُ لِتَعْلِيمِهِ الْمُوَطَّأَ وَلَا غَيْرَهُ مِنْ الْأُمَّهَاتِ وَلَوْ كَانَتْ مَشْهُورَةً وَلَوْ قَرَأَهَا وَتَفَقَّهَ عَلَى الشُّيُوخِ فِيهَا وَحَمَلَهَا إجَازَةً فَقَطْ جَازَ أَنْ يُعَلِّمَ مَا عِنْدَهُ مِنْ الشُّيُوخِ مِنْ مَعَانِيهَا وَأَنْ يُقْرِئَهَا إذَا صَحَّحَ كِتَابَهُ عَلَى رِوَايَةِ شَيْخِهِ انْتَهَى.

وَقَالَ أَيْضًا وَالْعَمَلُ بِمَا فِي الْكُتُبِ لِمَنْ لَا يَدْرِي لَا يُنَجِّي مِنْ الْخَطَأِ فِيهِ لِوُجُوهٍ مِنْهَا أَنَّ النَّازِلَةَ لَا يَجِيءُ بِهَا نَصُّ الْكِتَابِ إلَّا نَادِرًا وَأَكْثَرُ مَا يَجِيءُ شَبِيهٌ بِهَا وَبِتِلْكَ الْمُشَابَهَةِ يَغْلَطُ بَعْضُ النَّاسِ فَيَكْتُبُ عَلَيْهَا شَيْئًا بِغَيْرِ الْمَعْنَى وَيُخْرِجُهَا عَنْ سَبَبِهَا لِعَدَمِ عِلْمِهِ بِالْأُصُولِ الَّتِي قَالَهَا الْقَوْمُ فَيَخْرُجُ عَنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>