ثُمَّ عَقَبَهُمْ التَّابِعُونَ لَهُمْ، وَهُمْ تَابِعُو التَّابِعِينَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فِيهِمْ حَدَّثَ الْفُقَهَاءُ الْمُقَلِّدُونَ الْمَرْجُوعُ إلَيْهِمْ فِي النَّوَازِلِ الْكَاشِفُونَ لِلْكُرُوبِ فَوَجَدُوا الْقُرْآنَ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ مَجْمُوعًا مُيَسَّرًا وَوَجَدُوا الْأَحَادِيثَ قَدْ ضُبِطَتْ، وَأُحْرِزَتْ فَجَمَعُوا مِنْهَا مَا كَانَ مُفَرَّقًا وَتَفَقَّهُوا فِي الْقُرْآنِ وَالْأَحَادِيثِ عَلَى مُقْتَضَى قَوَاعِدِ الشَّرِيعَةِ وَاسْتَخْرَجُوا فَوَائِدَ الْقُرْآنِ وَالْأَحَادِيثِ وَاسْتَنْبَطُوا مِنْهَا فَوَائِدَ وَأَحْكَامًا وَبَيَّنُوا عَلَى مُقْتَضَى الْمَنْقُولِ وَالْمَعْقُولِ وَدَوَّنُوا الدَّوَاوِينَ وَيَسَّرُوا عَلَى النَّاسِ وَأَزَالُوا الْمُشْكِلَاتِ بِاسْتِخْرَاجِ الْفُرُوعِ مِنْ الْأُصُولِ وَرَدُّوا الْفَرْعَ إلَى أَصْلِهِ وَتَبَيَّنَ الْأَصْلُ مِنْ فَرْعِهِ فَانْتَظَمَ الْحَالُ وَاسْتَقَرَّ مِنْ الدِّينِ لِأُمَّةِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِسَبَبِهِمْ الْخَيْرُ الْعَمِيمُ فَحَصَلَتْ لَهُمْ فِي إقَامَةِ هَذَا الدِّينِ خُصُوصِيَّةٌ أَيْضًا بِلِقَائِهِمْ مَنْ رَأَى صَاحِبَ الْعِصْمَةِ - صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَسَلَامُهُ - وَمَعَ ذَلِكَ لَمْ يُبْقُوا لِمَنْ بَعْدَهُمْ شَيْئًا يَحْتَاجُ أَنْ يَقُولَ بِهِ بَلْ كُلُّ مَنْ أَتَى بَعْدَهُمْ إنَّمَا هُوَ مُقَلِّدٌ لَهُمْ فِي الْغَالِبِ وَتَابِعٌ لَهُمْ فَإِنْ ظَهَرَ لَهُمْ فِقْهٌ غَيْرُ فِقْهِهِمْ أَوْ فَائِدَةٌ غَيْرُ فَائِدَتِهِمْ فَمَرْدُودٌ كُلُّ ذَلِكَ عَلَيْهِ أَعْنِي بِذَلِكَ أَنْ يَزِيدَ فِي حُكْمٍ مِنْ الْأَحْكَامِ الَّتِي تَقَرَّرَتْ أَوْ يُنْقِصَ مِنْهَا فَذَلِكَ مَرْدُودٌ بِالْإِجْمَاعِ وَأَمَّا مَا اسْتَخْرَجَهُ مَنْ بَعْدَهُمْ مِنْ الْفَوَائِدِ غَيْرِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْأَحْكَامِ فَمَقْبُولٌ «لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي الْقُرْآنِ لَا تَنْقَضِي عَجَائِبُهُ وَلَا يَخْلَقُ عَلَى كَثْرَةِ التَّرْدَادِ» فَعَجَائِبُ الْقُرْآنِ وَالْأَحَادِيثِ لَا تَنْقَضِي إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كُلُّ قَرْنٍ لَا بُدَّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ فَوَائِدَ جَمَّةً خَصَّهُ اللَّهُ تَعَالَى بِهَا وَضَمَّهَا إلَيْهِ لِتَكُونَ بَرَكَةُ هَذِهِ الْأُمَّةِ مُسْتَمِرَّةً إلَى قِيَامِ السَّاعَةِ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أُمَّتِي مِثْلُ الْمَطَرِ لَا يُدْرَى أَيُّهُ أَنْفَعُ أَوَّلُهُ أَمْ آخِرُهُ» أَوْ كَمَا قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يَعْنِي فِي الْبَرَكَةِ وَالْخَيْرِ وَالدَّعْوَى إلَى اللَّهِ - تَعَالَى - وَتَبْيِينِ الْأَحْكَامِ لَا أَنَّهُمْ يُحْدِثُونَ حُكْمًا مِنْ الْأَحْكَامِ اللَّهُمَّ إلَّا مَا يَنْدُرُ وُقُوعُهُ مِمَّا لَمْ يَقَعْ فِي زَمَانِ مَنْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُمْ لَا بِالْفِعْلِ وَلَا بِالْقَوْلِ، وَلَا بِالْبَيَانِ فَيَجِبُ إذْ ذَاكَ أَنْ يُنْظَرَ الْحُكْمُ فِيهِ عَلَى مُقْتَضَى قَوَاعِدِهِمْ فِي الْأَحْكَامِ الثَّابِتَةِ عَنْهُمْ الْمُبَيَّنَةِ الصَّرِيحَةِ فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ عَلَى مُقْتَضَى أُصُولِهِمْ قَبِلْنَاهُ فَلَمَّا أَنْ مَضَوْا لِسَبِيلِهِمْ طَاهِرِينَ ثُمَّ أَتَى مَنْ جَاءَ بَعْدَهُمْ وَلَمْ يَجِدْ فِي هَذَا الدِّينِ وَظِيفَةً يَقُومُ بِهَا وَيَخْتَصُّ بِهَا بَلْ وَجَدَ الْأَمْرَ عَلَى أَكْمَلِ الْحَالَاتِ فَلَمْ يَبْقَ لَهُ إلَّا أَنْ يَحْفَظَ مَا دَوَّنُوهُ وَاسْتَنْبَطُوهُ وَاسْتَخْرَجُوهُ وَأَفَادُوهُ فَاخْتَصَّتْ إقَامَةُ هَذَا الدِّينِ بِالْقُرُونِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْحَدِيثِ لَيْسَ إلَّا فَلِأَجْلِ ذَلِكَ كَانُوا خَيْرًا مِمَّنْ أَتَى بَعْدَهُمْ وَلَا يَحْصُلُ لِمَنْ أَتَى بَعْدَ هَذِهِ الْقُرُونِ الْمَشْهُودِ لَهُمْ بِالْخَيْرِ خَيْرٌ إلَّا بِالِاتِّبَاعِ لِمَنْ شَهِدَ لَهُ صَاحِبُ الْعِصْمَةِ - صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَسَلَامُهُ - بِالْخَيْرِ فَبَقِيَ كُلُّ مَنْ أَتَى بَعْدَهُمْ فِي مِيزَانِهِمْ وَمِنْ بَعْضِ حَسَنَاتِهِمْ فَبَانَ مَا قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «خَيْرُ الْقُرُونِ قَرْنِي ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ» فَإِذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ وَعُلِمَ فَكُلُّ مَنْ أَتَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute