للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الزَّيْغِ لِلظَّاهِرِيَّةِ الَّذِينَ كَانُوا ظَهَرُوا فِي الْأَنْدَلُسِ وَتَقَوَّتْ شَوْكَتُهُمْ مُدَّةً ثُمَّ مَحَا اللَّهُ آثَارَهُمْ فَشَرَعَتْ هَذِهِ الشِّرْذِمَةُ فِي إحْيَائِهَا قَالَ الْبُرْزُلِيُّ وَأَوَّلُ مَنْ طَعَنَ فِي الْمُدَوَّنَةِ سَعِيدُ بْنُ الْحَدَّادِ، فَفِي الْمَدَارِكِ أَنَّ ابْنَ الْحَدَّادِ صَحِبَ سَحْنُونَ أَوَّلًا وَسَمِعَ مِنْهُ وَنَزَعَ آخِرًا إلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ بَلْ كَثِيرًا مَا يُخَالِفُهُ وَيَعْتَمِدُ عَلَى النَّظَرِ وَالْحُجَّةِ وَكَانَ يُسَمِّي الْمُدَوَّنَةَ الْمُرُونَةَ وَيَنْقُضُ بَعْضَهَا.

وَذَكَرَ غَيْرُهُ أَنَّهُ قَالَ تَرَكَ النَّاسُ السُّنَنَ وَانْتَقَلُوا إلَى قَوْلِهِ قُلْت رَأَيْت فَرَفَضَهُ أَصْحَابُ سَحْنُونَ وَهَجَرُوهُ وَأَغْرَوْا بِهِ ابْنَ طَالِبٍ الْقَاضِيَ فَهَمَّ بِهِ ثُمَّ نَشَأَتْ بَيْنَهُمَا صُحْبَةٌ فَتَرَكَهُ وَبَقِيَ مَهْجُورَ الْبَابِ قَلِيلَ الْأَصْحَابِ إلَى أَنْ نَاظَرَ آخِرًا عَبْدَ اللَّهِ الشِّيعِيَّ وَأَخَاهُ الْعَبَّاسَ عِنْدَ دُخُولِهِمَا بِدَعْوَةِ بَنِي عُبَيْدٍ الْقَيْرَوَانِ فَمَالَتْ إلَيْهِ قُلُوبُ الْعَامَّةِ وَأَجْمَعُوا عَلَى فَضْلِهِ وَذَلِكَ أَنَّهُ قَامَ مَعَهُمْ مَقَامَ ابْنِ حَنْبَلٍ فِي الْقَوْلِ بِخَلْقِ الْقُرْآنِ وَبَاعَ نَفْسَهُ فِي مُنَاظَرَتِهِمْ لِلَّهِ تَعَالَى وَكَانَ نَافَ عَلَى سَبْعِينَ سَنَةً وَقَالَ قَتِيلُ الْخَوَارِجِ خَيْرُ قَتِيلٍ لِأَنَّهُمْ كَانُوا قَتَلُوا اثْنَيْنِ مِنْ أَصْحَابِ سَحْنُونَ وَأَرَادُوا حَمْلَ النَّاسِ عَلَى مَذْهَبِهِمْ فَدَخَلَ مِنْهُمْ عَلَى أَهْلِ الْقَيْرَوَانِ رَوْعٌ كَبِيرٌ فَنَاظَرَهُمْ حَتَّى أَوْقَفَهُمْ وَسَلَّمَهُ اللَّهُ مِنْهُمْ بِحُسْنِ نِيَّتِهِ.

ثُمَّ قَالَ الْبُرْزُلِيُّ وَرَأَيْتُ فِي بَعْضِ تَوَارِيخِ الْأَنْدَلُسِ أَنَّ ابْنَ حَزْمٍ رَأْسَ الظَّاهِرِيَّةِ بِالْأَنْدَلُسِ قَالَ إنَّمَا أُشْهِرُ مَذْهَبَ مَالِكٍ وَالْمَدَنِيِّينَ وَهَذِهِ الْفُرُوعُ بِإِفْرِيقِيَّةَ دُخُولُ سَحْنُونَ بْنِ سَعِيدٍ بِمَسَائِلِهِ فَوُلِّيَ الْقَضَاءَ بِهَا فَأَخَذَتْ عَنْهُ مَسَائِلَهُ لِأَجْلِ قَضَائِهِ وَرِيَاسَتِهِ وَاشْتُهِرَ أَمْرُهُ وَاشْتُهِرَتْ مَسَائِلُ مَالِكٍ بِالْأَنْدَلُسِ لِدُخُولِ عِيسَى بْنِ دِينَارٍ وَيَحْيَى بْنِ يَحْيَى وَغَيْرِهِمْ مِنْ رُؤَسَاءِ الْأَنْدَلُسِ وَقُضَاتِهَا فَاشْتُهِرَ عَنْهُمْ أَخْذُهَا وَالتَّمَذْهُبُ بِهَا، وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ لِرِيَاسَتِهِمْ فَتَرَكَ النَّاسُ السُّنَنَ وَاتَّبَعُوهُ.

وَذَكَرَ الْبَاجِيُّ أَنَّهُ اجْتَمَعَ مَعَ ابْنِ حَزْمٍ بِمَيْرُوقَهَ وَكَانَتْ بَيْنَهُمَا مُطَالَبَاتٌ وَاحْتِجَاجَاتٌ آلَ أَمْرُهَا عَلَى مَا قَالَ إلَى إبْطَالِ مَذْهَبِهِ وَذَكَرَ أَنَّ أَخَاهُ إبْرَاهِيمَ بْنَ خَلَفٍ الْبَاجِيَّ لَقِيَ ابْنَ حَزْمٍ يَوْمًا فَقَالَ لَهُ مَا قَرَأْت عَلَى أَخِيك فَقَالَ لِي كَثِيرًا أَقْرَأُ عَلَيْهِ فَقَالَ أَلَا اخْتَصَرَ لَك الْعِلْمَ فَيُقْرِئَك مَا تَنْتَفِعُ بِهِ فِي الزَّمَنِ الْقَرِيبِ فِي سَنَةٍ أَوْ أَقَلَّ فَقَالَ لَهُ لَوْ صَحَّ هَذَا الْفِعْلُ فَقَالَ غَيْرُهُ يَنْفَعُك بِذَلِكَ فِي سَنَةٍ فَقَالَ أَنَا أُحِبُّ ذَلِكَ فَقَالَ لَهُ أَوْ فِي شَهْرٍ فَقَالَ ذَلِكَ أَشْهَى إلَيَّ فَقَالَ أَوْ فِي جُمُعَةٍ أَوْ دَفْعَةٍ فَقَالَ هَذَا أَشْهَى إلَيَّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ فَقَالَ لَهُ إذَا وَرَدَتْ عَلَيْك مَسْأَلَةٌ فَاعْرِضْهَا عَلَى الْكِتَابِ فَإِنْ وَجَدْتهَا فِيهِ وَإِلَّا فَاعْرِضْهَا عَلَى السُّنَّةِ فَإِنْ وَجَدْت ذَلِكَ فِيهَا وَإِلَّا فَاعْرِضْهَا عَلَى مَسَائِلِ الْإِجْمَاعِ فَإِنْ وَجَدْتهَا وَإِلَّا فَالْأَصْلُ الْإِبَاحَةُ فَافْعَلْهَا فَقُلْتُ لَهُ مَا أَرْشَدْتَنِي إلَيْهِ يَفْتَقِرُ إلَى عُمُرٍ طَوِيلٍ وَعِلْمٍ جَلِيلٍ، لِأَنَّهُ يَفْتَقِرُ لِمَعْرِفَةِ الْكِتَابِ وَمَعْرِفَةِ نَاسِخِهِ وَمَنْسُوخِهِ وَمُؤَوَّلِهِ وَظَاهِرِهِ وَمَنْصُوصِهِ وَمُطْلَقِهِ وَعُمُومِهِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَحْكَامِهِ وَيَفْتَقِرُ أَيْضًا إلَى حِفْظِ الْأَحَادِيثِ وَمَعْرِفَةِ صَحِيحِهَا مِنْ سَقِيمِهَا وَمُسْنَدِهَا وَمُرْسَلِهَا وَمُعْضِلِهَا وَتَأْوِيلِهِ وَتَارِيخِ

<<  <  ج: ص:  >  >>