للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السُّنَّةُ فَقَالَ كَالْمُنْكِرِ عَلَيَّ وَهِيَ السُّنَّةُ أَيْضًا وَكَرَّرَهَا فَقُلْتُ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ «أَنَّ رَجُلًا دَخَلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَصَلَّى ثُمَّ جَاءَ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ فَرَدَّ عَلَيْهِ وَقَالَ: ارْجِعْ وَصَلِّ فَإِنَّك لَمْ تُصَلِّ حَتَّى فَعَلَ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ وَاَلَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا أُحْسِنُ غَيْرَ هَذَا فَعَلِّمْنِي، فَقَالَ لَهُ: إذَا افْتَتَحْتَ الصَّلَاةَ» إلَى آخِرِ الْحَدِيثِ فَأَمَرَهُ بِإِعَادَةِ الْوَقْتِيَّةِ وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِإِعَادَةِ مَا خَرَجَ وَقْتُهُ مِنْ الصَّلَوَاتِ.

فَعَلَى هَذَا بَنَى الْفُقَهَاءُ أَمْرَهُمْ فِيمَنْ دَخَلَ عَلَيْهِ خَلَلٌ فِي الصَّلَاةِ فَلَمَّا أَصْغَى إلَيَّ اتَّسَعَ لِي الْقَوْلُ فَقُلْت لَهُ يَا سَيِّدِي جَمِيعُ مَا فِي هَذَا الْكِتَابِ مَبْنِيٌّ عَلَى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَأَقْوَالِ السَّلَفِ وَالْإِجْمَاعِ وَإِنَّمَا اخْتَصَرَهُ الْفُقَهَاءُ تَقْرِيبًا لِمَنْ يَنْظُرُ فِيهِ مِنْ الْمُتَعَلِّمِينَ وَالطَّالِبِينَ فَانْطَلَقَتْ أَلْسِنَةُ الْفُقَهَاءِ الْحَاضِرِينَ حِينَئِذٍ وَوَافَقُونِي عَلَى مَا قُلْتُ ثُمَّ دَعَا فَقَالَ اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ، وَقَامَ إلَى مَنْزِلِهِ فَقَالَ الْوَزِيرُ أَقَدِمْت عَلَى سَيِّدِنَا الْيَوْمَ يَا فَقِيهُ فَقُلْتُ لَوْ سَكَتُّ لَلَحِقَتْنِي عُقُوبَةُ اللَّهِ تَعَالَى قَالَ فَكُنْت أَدْخُلُ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى عَبْدِ الْمُؤْمِنِ فَأَرَى مِنْهُ الْبِرَّ التَّامَّ وَالتَّكْرِمَةَ

ثُمَّ سَكَتَ الْحَالُ بَعْدَ ذَلِكَ حَتَّى جَاءَ أَيَّامُ حَفِيدِهِ الْأَمِيرِ يَعْقُوبَ فَأَرَادَ حَمْلَ النَّاسِ عَلَى كُتُبِ ابْنِ حَزْمٍ فَعَارَضَهُ فُقَهَاءُ وَقْتِهِ وَفِيهِمْ أَبُو يَحْيَى بْنُ الْمَوَّاقِ وَكَانَ أَعْلَمَهُمْ بِالْحَدِيثِ وَالْمَسَائِلِ فَلَمَّا سَمِعَ ذَلِكَ لَزِمَ دَارِهِ وَعَارَضَ وَأَكَبَّ عَلَى جَمْعِ الْمَسَائِلِ الْمُنْتَقَدَةِ عَلَى ابْنِ حَزْمٍ حَتَّى أَتَمَّهَا وَكَانَ لَا يَغِيبُ عَنْهُ فَلَمَّا أَتَمَّهَا جَاءَ إلَيْهِ فَسَأَلَهُ عَنْ حَالِهِ وَغَيْبَتِهِ وَكَانَ ذَا جَلَالَةٍ عِنْدَهُ وَمُبِرًّا لَهُ فَقَالَ لَهُ: يَا سَيِّدُنَا قَدْ كُنْتُ فِي خِدْمَتِكُمْ لَمَّا سَمِعْتُكُمْ تَذْكُرُونَ حَمْلَ النَّاسِ عَلَى كُتُبِ ابْنِ حَزْمٍ وَفِيهَا أَشْيَاءُ أُعِيذُكُمْ بِاَللَّهِ مِنْ حَمْلِ النَّاسِ عَلَيْهَا وَأَخْرَجْتُ لَهُ دَفْتَرًا فَلَمَّا أَخَذَهُ الْأَمِيرُ جَعَلَ يَقْرَؤُهُ، وَيَقُولُ أَعُوذُ بِاَللَّهِ أَنْ أَحْمِلَ أُمَّةَ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى هَذَا وَأَثْنَى عَلَى ابْنِ الْمَوَّاقِ وَدَخَلَ مَنْزِلَهُ ثُمَّ سَكَتَ الْحَالُ بَعْدُ فِي الْفُرُوعِ وَظَهَرَتْ وَقَوِيَتْ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَهِيَ إذَا أَخَذْت مَسْأَلَةً مَسْأَلَةً وَجَدْت كُلَّهَا رَاجِعَةً إلَى أُصُولِ الشَّرِيعَةِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ وَلَا يُوجَدُ شَيْءٌ مِنْهَا خَارِجًا عَنْهَا؛ لِأَنَّ وَاضِعَهَا وَمُسْتَنْبِطَهَا مِنْ خِيَارِ سَلَفِ الْمُسْلِمِينَ وَعُلَمَائِهِمْ وَعُدُولِهِمْ وَأَهْلِ التَّفَقُّهِ وَالْمَعْرِفَةِ بِالشَّرْعِ فَهُمْ قَوْمٌ غُذُّوا بِالتَّقْوَى وَرُبُّوا بِالْهُدَى فَهُمْ أَنْوَارُ الدُّنْيَا وَرَيَاحِينُهَا وَبَرَكَاتُ الْأُمَّةِ وَمَيَامِينُهَا عُدُولُ كُلِّ خَلَفٍ وَأَئِمَّةُ كُلِّ سَلَفٍ سَادَةٌ أَفْنَوْا أَعْمَارَهُمْ فِي اسْتِنْبَاطِهَا وَتَحْقِيقِهَا بَعْدَ تَمْيِيزِ الصَّحِيحِ مِنْ السُّنَنِ مِنْ السَّقِيمِ وَالنَّاسِخِ مِنْ الْمَنْسُوخِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ عُلُومِهَا وَدَوَّنُوهَا كُتُبًا وَجَعَلُوهَا أَبْوَابًا مُهَذَّبَةً مُقَرَّبَةً وَكَفَوْا مَنْ أَتَى بَعْدَهُمْ الْمُؤْنَةَ بِأَنْ تَرَكُوا الْأُصُولَ عَلَى أَصْلِهَا وَفَرَّعُوا عَلَيْهَا فُرُوعَهَا مِنْ الْفِقْهِ تَقْتَضِيهَا وَمَسَائِلَ طَلَبًا لِلِاخْتِصَارِ وَتَقْرِيبًا عَلَى النَّاظِرِ فَجَزَاهُمْ اللَّهُ عَنْ الْمُسْلِمِينَ أَحْسَنَ جَزَائِهِ كَمَا جَعَلَهُمْ وَرَثَةَ أَنْبِيَائِهِ وَحَفَظَةَ شَرْعِهِ وَجَعَلَنَا مِنْ الْمُتَّبِعِينَ لَهُمْ.

وَذَكَرَ ابْنُ رُشْدٍ فِي أَوَّلِ الْمُقَدِّمَاتِ أَنَّ الْمُدَوَّنَةَ تَدُورُ عَلَى مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ إمَامِ دَارِ الْهِجْرَةِ وَابْنُ الْقَاسِمِ الْمِصْرِيِّ الْوَلِيِّ الصَّالِحِ وَسَحْنُونٌ وَكُلُّهُمْ

<<  <  ج: ص:  >  >>