للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حتى ملأ الدنيا علمًا وفقهًا.

قال أبو محمد بن حزم: «وجُمِعَت فتاواه في سبعة أسفارٍ كبار» (١)، وهي بحسب ما بَلَغَ جامعَها، وإلا فعلمُ ابن عباسٍ كالبحر, وفقهُه واستنباطُه وفهمُه في القرآن بالموضع الذي فاقَ به الناس، وقد سَمِعُوا ما سَمِع وحَفِظوا القرآن كما حَفِظه، ولكنَّ أرضه كانت مِن أطيب الأراضي وأقبَلِها للزَّرع، فبَذَر فيها النصوصَ، فأنبتت من كلِّ زوجٍ كريم، و {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [الحديد: ٢١].

وأين تقعُ فتاوى ابن عباسٍ وتفسيرُه واستنباطُه من فتاوى أبي هريرة وتفسيره؟ ! وأبو هريرة أحفظُ منه، بل هو حافظُ الأمَّة على الإطلاق, يؤدِّي الحديثَ كما سَمِعه, ويَدْرُسُه بالليل دَرْسًا، فكانت همَّتُه مصروفةً إلى الحفظ وتبليغ ما حَفِظه كما سَمِعه (٢)،

وهمَّةُ ابن عباسٍ مصروفةً إلى التفقُّه


(١) كذا, وهو سهوٌ من سبق النظر, فقد ذكر ابن حزم في «الإحكام» (٥/ ٩٢) المكثرين من الصحابة في الفتيا ثم قال: «فهم سبعةٌ يمكنُ أن يجمعَ من فتيا كلِّ واحدٍ منهم سِفرٌ ضخم, وقد جمع أبو بكر محمد بن موسى بن يعقوب بن أمير المؤمنين المأمون فتيا عبد الله بن العباس في عشرين كتابًا». وذكره كذلك في «جمهرة أنساب العرب» (٢٤).
(٢) ولا يعني هذا أن همَّته هذه صرفته عن التفقُّه فيما حفظ من الحديث, فإنه - رضي الله عنه - معدودٌ من فقهاء الصحابة, وذكره ابن حزم في «الإحكام» (٥/ ٩٢) في المتوسطين ممن حُفِظت عنهم الفتوى منهم.
وقال الذهبي في «تذكرة الحفاظ» (١/ ٣٢): «كان من أوعية العلم ومن كبار أئمة الفتوى» , وحلَّاه في «السير» (٢/ ٥٧٨) بالفقيه المجتهد, وقال في (٢/ ٦٢٠): «أفتى أبو هريرة في دِقَاق المسائل مع مثل ابن عباس». وانظر: «كشف الأسرار» (٢/ ٣٨٣). وذكر ابن الوزير في «العواصم والقواصم» (٢/ ٣٦) أن شرائط الاجتهاد كانت مجتمعةً فيه.

وجمع تقيُّ الدين السبكي فتاويه في جزء. انظر: «الجواهر المضية» للقرشي (٤/ ٥٤١) , و «البحر المحيط» للزركشي (٤/ ٣١٦, ٦/ ٢١١, ٢١٢).
وإنما أراد المصنف الشأنَ الغالب عليه إن هو قُرِنَ إلى واحدٍ من كبار فقهاء طبقته ومفتيهم كابن عباس - رضي الله عنهم -. انظر: «مجموع الفتاوى» (٤/ ٥٣٢ - ٥٣٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>