للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكذلك إذا سئلوا عمَّا في الكتاب من ذِكْر أسماء الله وصفاته, لتقام


= الأُوَل قد عرفها وقرأها عن المثناة, فقال: إن الأحبار والرهبان من بني إسرائيل بعد موسى وضعوا كتابًا فيما بينهم على ما أرادوا من غير كتاب الله تبارك وتعالى, فسموه المثناة, كأنه يعني أنهم أحلُّوا فيه ما شاؤوا وحرموا فيه ما شاؤوا على خلاف كتاب الله, فبهذا عرفتُ تأويل حديث عبد الله بن عمرو أنه إنما كره الأخذ عن أهل الكتاب لذلك المعنى، وقد كانت عنده كتبٌ وقعت إليه يوم اليرموك, فأظنه قال هذا لمعرفته بما فيها, ولم يرد النهي عن حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسنته, وكيف ينهى عن ذلك وهو من أكثر الصحابة حديثًا عنه». وقال الجوهري في «الصحاح» (٢٢٩٤): «يقال: هي التى تسمى بالفارسية دوبيت، وهو الغناء». وذهب أبو الفضل القونوي في «الهابط الغوي من معاني المثنوي» (٦٧ - ٧٢) إلى أنها «المثنوي» لجلال الدين الرومي وأن لفظ «المثناة» في الحديث مغيَّر عنه. ومال الألباني في «الصحيحة» (٢٨٢١) إلى أن المقصود بها كتب الفقه المذهبي!
والحقُّ مفرَّق بين هذه الأقوال, فعبدالله بن عمرو - رضي الله عنهما - يشيرُ بلا ريب إلى مثناة اليهود التي زاحموا بها التوراة كتابَ ربهم وألبسوها ثياب القداسة, إلا أن في سياق الحديث اختصارًا, وفقهه هو أن هذه الأمة ستتخذُ من الكتب مثناةً كمثناة اليهود تصرفُها عن كتاب ربها ووحيه, لا أنها ستتخذُ مثناة اليهود نفسها كما تأول أبو عبيد, وذلك دأبُ هذه الأمة في السير على سنن أهل الكتاب, ولذا ذكرتُ أن الحكم برفع الحديث محتمل؛ لأن فيه مجالًا للقياس والاجتهاد.
ويشهد لهذا قول القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق: «إن الأحاديث كثرت على عهد عمر، فأنشد الناس أن يأتوه بها، فلما أتوه بها أمر بتحريقها، ثم قال: مثناة كمثناة أهل الكتاب؟ ! » , أخرجه ابن سعد في «الطبقات» (٧/ ١٨٧) , لكن القاسم لم يدرك عمر. والسُّنة من الوحي, وإنما خشي عمر - رضي الله عنه - وغيره ممن نهى عن كتابة الحديث من الصحابة أن ينكبَّ الناس على تلك الكتب يومئذ ويشتغلوا بها عن القرآن, وإلا فاحتجاج عمر بالحديث وروايته له مما يعلم بالضرورة.

<<  <  ج: ص:  >  >>