والحقُّ مفرَّق بين هذه الأقوال, فعبدالله بن عمرو - رضي الله عنهما - يشيرُ بلا ريب إلى مثناة اليهود التي زاحموا بها التوراة كتابَ ربهم وألبسوها ثياب القداسة, إلا أن في سياق الحديث اختصارًا, وفقهه هو أن هذه الأمة ستتخذُ من الكتب مثناةً كمثناة اليهود تصرفُها عن كتاب ربها ووحيه, لا أنها ستتخذُ مثناة اليهود نفسها كما تأول أبو عبيد, وذلك دأبُ هذه الأمة في السير على سنن أهل الكتاب, ولذا ذكرتُ أن الحكم برفع الحديث محتمل؛ لأن فيه مجالًا للقياس والاجتهاد. ويشهد لهذا قول القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق: «إن الأحاديث كثرت على عهد عمر، فأنشد الناس أن يأتوه بها، فلما أتوه بها أمر بتحريقها، ثم قال: مثناة كمثناة أهل الكتاب؟ ! » , أخرجه ابن سعد في «الطبقات» (٧/ ١٨٧) , لكن القاسم لم يدرك عمر. والسُّنة من الوحي, وإنما خشي عمر - رضي الله عنه - وغيره ممن نهى عن كتابة الحديث من الصحابة أن ينكبَّ الناس على تلك الكتب يومئذ ويشتغلوا بها عن القرآن, وإلا فاحتجاج عمر بالحديث وروايته له مما يعلم بالضرورة.