للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحجةُ عليهم وعلى غيرهم بموافقة الأنبياء المتقدِّمين لمحمدٍ - صلى الله عليه وسلم -، فحرَّفوا الكَلِمَ عن مواضعه= أمكَن معرفةُ ذلك، لما تقدَّم (١).

وإن ذكروا حجَّةً عقليةً فهمت ايضا مين (٢) ما في القرآن بردِّها، مثل إنكارهم للنَّسخ بالعقل، حتى قالوا: لا ينسَخُ ما حرَّمه، ولا ينهى عما أمَر به، فقال تعالى: {سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا} [البقرة: ١٤٢] , قال البراء بن عازب ــ في «الصحيحين» (٣) ــ: هم اليهود.

فقال سبحانه: {قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [البقرة: ١٤٢] , فذكَر ما في النَّسخ من تعليق الأمر بالمشيئة الإلهية، ومِن كَون الأمر الثاني قد يكونُ أصلحَ وأنفع، فقوله: {يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} بيانٌ للأصلح الأنفع، وقوله: {مَنْ يَشَاءُ} ردٌّ للأمر إلى المشيئة.

وعلى بعض ما في الآية اعتمادُ جميع المتكلمين حيث قالوا: التكليفُ إما تابعٌ لمحض المشيئة كما يقولُه قوم، أو تابعٌ للمصلحة كما يقولُه قوم، وعلى التقديرين فهو جائز (٤).

ثم إنه سبحانه بيَّن وقوعَ النَّسخ بتحريم الحلال في التوراة بأنه أحلَّ


(١). ويحتمل أن تقرأ: كما تقدم.
(٢). كذا رسمت العبارة في الأصل, ولم أتبين صوابها, والمراد ظاهر من السياق.
(٣). صحيح البخاري (٣٩٩) ومسلم (٥٢٥) , واللفظ للبخاري.
(٤). انظر: «اللمع» (٥٥) , و «قواطع الأدلة» (٣/ ٧٦) , و «الإحكام» للآمدي (٣/ ١٤٣) , و «الإبهاج» (٥/ ١٦٤٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>