فعلَّمنا - صلى الله عليه وسلم - أن نستخيرَ الله بعلمه، فيعلِّمنا مِن علمه ما نَعْلَمُ به الخير، ونستَقْدِرَه بقدرته، فيجعلَنا قادرين؛ إذ الاستفعالُ طلبُ الفعل، كما قال في الحديث الصَّحيح:«يقولُ الله تعالى: يا عبادي، كلُّكم جائعٌ إلا من أطعمتُه، فاستطعِمُوني أُطْعِمْكم، يا عبادي، كلُّكم ضالٌّ إلا من هديتُه، فاستَهْدُوني أَهْدِكم»(١) , فاستِهداءُ الله طلبُ أن يهديَنا، واستِطعامُه طلبُ أن يُطْعِمَنا، هذا قوتُ القلوب, وهذا قوتُ الأجسام، وكذلك استخارتُه بعلمه واستقدارُه بقدرته.
ثم قال:«وأسألُك من فضلك العظيم»، فهذا السُّؤال مِن جُودِه ومَنِّه وعطائه وإحسانه الذي يكونُ بمشيئته ورحمته وحَنَانِه؛ ولهذا قال:«فإنك تَقْدِرُ ولا أَقْدِر، وتَعْلَمُ ولا أَعْلَم» ولم يقل: إني لا أَرْحَمُ نفسي؛ لأنه في مقام الاستخارة يريدُ الخيرَ لنفسه ويطلبُ ذلك لكنَّه لا يعلمُه ولا يقدرُ عليه إن لم يعلِّمه الله إياه ويُقْدِره عليه.
فإذا كان الرسولُ أعلمَ الخلق بالحقائق الخبرية والطَّلبية، وأحبَّ الخلق للتعليم والهداية والإفادة، وأقدرَ الخلق على البيان والعبارة= امتنَع أن يكونَ من هو دونه أفاد خواصَّه معرفةَ الحقائق أعظمَ مما أفادها الرسولُ لخواصِّه، فامتنعَ أن يكونَ عند أحدٍ من الطَّوائف مِن معرفة الحقائق ما ليس عند علماء الحديث.
(١) أخرجه مسلم (٢٥٧٧) من حديث أبي ذر, وللمصنف فصلٌ مفردٌ في شرحه ضمن «مجموع الفتاوى» (١٨/ ١٣٦ - ٢٠٩) وغيره.