للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تكون في إثبات ما أثبتوه، وإما أن تكون في تناقُضهم بالجمع بين (١) إثبات هذه الأمور ونفي الجوارح.

أما الأول فباطل؛ فإن المجسِّمة المحضة التي تصرِّحُ بالتجسيم المحض وتغلو فيه لم يقل أحدٌ قطُّ: إن قولها مكابرةٌ للعقول، ولا قال أحد: إنهم لا يخاطَبون، بل الذين ردُّوا على غالية المجسِّمة مثل هشام بن الحكم وشِيعته لم يردُّوا عليهم من الحُجَج العقلية إلا بحُجَجٍ تحتاجُ إلى نظرٍ واستدلال، والمنازعُ لهم وإن كان مبطلًا في كثيرٍ مما يقوله فقد قابلهم بنظير حِجَاجهم، ولم يكونوا عليه بأظهرَ منه عليهم، إذ مع كلِّ طائفةٍ حقٌّ وباطل.

وإذا كان مثل أبي الفرج إنما يعتمدُ في نفي هذه الأمور على ما يذكُره نفاةُ النظَّار، فأولئك لا يكادون يزعمون في شيءٍ من النفي والإثبات أنه مكابرةٌ للعقول (٢)، حتى جاحِدو الصَّانع ــ الذين هم أجهلُ الخلق وأضلُّهم وأكفرُهم وأعظمُهم خلافًا للعقول ــ لا يزعمُ أكثر هؤلاء الذين انتصر بهم أبو الفرج أن قولهم مكابرةٌ للعقول، بل يزعمون أن العلمَ بفساد قولهم إنما يُعْلَمُ بالنظر والاستدلال.

وهذا القولُ وإن كان يقوله جلُّ هؤلاء النُّفاة من أهل الكلام، فليس هو طريقة مرضيَّة، لكن المقصود أن هؤلاء النُّفاة لا يزعمون أن العلم بفساد قول المُثْبِتة معلومٌ بالضرورة ولا أن قولهم مكابرةٌ للعقل، وإن شنَّعوا عليهم بأشياء ينفِرُ عنها كثيرٌ من الناس فذاك ليستعينوا بنُفرة النافرين على دفعهم


(١). الأصل: «بجمع من». والمثبت أقوم.
(٢). الأصل: «للمعقول». وأثبتُّها كنظائرها.

<<  <  ج: ص:  >  >>