فيها قضيةٌ كليةٌ للأمور الموجودة، وليس فيها ما تُعْلَمُ به القضيةُ الكلية, إلا العقل المجرَّد الذي يعقِلُ المقدَّرات الذهنية، وإذا لم يكن في أصول برهانهم علمٌ بقضيةٍ عامةٍ للأمور الموجودة لم يكن في [ذلك](١) علم.
وليس فيما ذكرناه ما يمكنُ النزاع فيه إلا القضايا البديهية، فإن فيها عمومًا، وقد يظنُّ أنه به تعلمُ الأمورُ الخارجة، فيفرض أنها تفيدُ العلوم الكلية، لكن بقية المبادئ ليس فيها علمٌ كلي, فكان الواجبُ ألا يجعلَ مقدمة البرهان إلا القضايا العقلية البديهية المحضة؛ إذ هي الكلية, وأما بقيةُ القضايا فهي جزئية، فكيف يصلحُ أن تجعلَ من مقدمات البرهان؟
إلا أن يقال: تُعْلَمُ بها أمورٌ جزئية وبالعقل أمورٌ كلية، فبمجموعهما يتمُّ البرهان، كما يُعْلَمُ بالحسِّ أن مع هذا ألفَ درهم ومع هذا ألفان، ويُعْلَمُ بالعقل أن الاثنين أكثرُ من الواحد، فيُعْلَمُ أن مال هذا أكثر.
فيقال: هذا صحيح، لكن هذا إنما يفيدُ قضيةً جزئيةً معيَّنة، وهو كونُ مال هذا أكثر من مال هذا. والأمورُ الجزئيةُ المعيَّنةُ لا يحتاجُ في معرفتها إلى قياس، بل قد تُعْلَمُ بلا قياس، وتُعْلَمُ بقياس التمثيل، وتُعْلَمُ بالقياس عن جزئيتين، فإنك تعلمُ بالحسِّ أن هذا مثل هذا، وتعلمُ أن هذا مِن نعته كَيت وكَيت، فتعلمُ أن الآخر مثلُه، وتعلمُ أن حكمَ الشيء حكمُ مثله. وكذلك قد تعلمُ أن زيدًا أكبر من عمرو، وعَمرًا أكبر من خالد، وأمثال هذه الأمور المعيَّنة التي تُعْلَمُ بدون قياس الشمول الذي اشترطوا فيه ما اشترطوا.
فقد تبيَّن أن هذا القياسَ العقلي المنطقي الذي وضعوه وحدَّدوه لا يُعْلَمُ