درهم، وهناك ألف, ونحو ذلك، حكمتَ على أحد المعدودين بأنه عُشْرُ الآخر.
فالمعدوداتُ لا تُدْرَكُ إلا بالحِس، والعددُ المجرَّد يُعْقَلُ بالقلب، وبعقلِ القلب والحِسِّ يُعْلَمُ العددُ والمعدودُ جميعًا، وكذلك المقاديرُ الهندسية هي من هذا الباب.
فالعلومُ الأوليةُ البديهيةُ العقليةُ المحضةُ ليست إلا في المقدَّرات الذهنية, كالعدد والمقدار، لا في الأمور الخارجة الموجودة.
فإذا كانت موادُّ القياس البرهاني لا يُدْرَكُ بعامتها إلا أمورٌ معينةٌ ليست كُلِّية، وهي الحِسُّ الباطن والظاهر، والتواتر, والتجربة, والحدس, والذي يدركُ الكليات البديهية الأولية إنما يدركُ أمورًا مقدَّرةً ذهنية= لم يكن في مبادئ البرهان ومقدِّماته المذكورة ما يُعْلَمُ به قضيةٌ كليةٌ عامةٌ للأمور الموجودة في الخارج. والقياسُ لا يفيدُ العلمَ إلا بواسطة قضيةٍ كلية، فامتنَع حينئذٍ أن يكونَ فيما ذكروه من صورة القياس ومادَّته حصولُ علمٍ يقيني.
وهذا بيِّنٌ لمن تأمَّله، وبتحريره وجودة تصوُّره تنفتحُ علومٌ عظيمةٌ ومعارف، وسنبيِّن إن شاء الله من أيِّ وجهٍ وقع عليهم اللَّبس. فتدبَّر هذا، فإنه من أسرار عظائم العلوم التي يظهرُ لك به ما يَجِلُّ عن الوصف من الفرق بين الطريقة الفطرية العقلية السَّمعية الشَّرعية الإيمانية، وبين الطريقة القياسية المنطقية الكلامية.
وقد تبين لك بإجماعهم وبالعقل أن القياسَ المنطقيَّ لا يفيدُ إلا بواسطة قضية، وتبيَّن لك أن القضايا التي [هي] عندهم موادُّ البرهان وأصولُه ليس