للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قلت: وقد نسب صاحب تيسير التحرير إلى الأشعرية أنه - صلى الله عليه وسلم - لم يكن متعبّداً به. وحكى صاحب التحرير أن القاضي والجبائيّ أجازا اجتهاده - صلى الله عليه وسلم - في الحروب فقط، أي دون الأحكام الشرعية (١).

والمختار ما نص عليه الحنفية (٢) أنه - صلى الله عليه وسلم - كان عليه العمل بالوحي أولاً، وكان عليه أن ينتظر الوحي في الوقائع، فإن لم يأته الوحي بعد الانتظار اجتهد رأيه (٣).

[الدليل العقلي لجواز صدور أفعال النبي صلى الله عليه وسلم عن اجتهاد]

إنا لو فرضنا أن الله تعبّده بذلك، بأن قال له: حكمي عليك أن تقيس فيما لا نص فيه، لم يلزم من ذلك أمر محال.

وقد نوقش هذا الدليل بأنه لو كان في الأحكام الصادرة عنه - صلى الله عليه وسلم - ما يكون عن اجتهاد، لجاز أن لا يُجعل أصلاً لغيره، وأن يخالف فيه، وأن لا يكفر مخالفه، لأن جميع ذلك من لوازم الأحكام الثابتة بالاجتهاد.

وأجاب عن ذلك الآمدي بأنا لا نسلم أن ما ذكروه من لوازم الأحكام الثابتة بالاجتهاد، بدليل الإجماع عن اجتهاد، فإن الإجماع معصوم من الخطأ. فكذلك اجتهاد النبي - صلى الله عليه وسلم - الذي لا يقرّ على خطأ في الأحكام الشرعية.

[الأدلة القرآنية: منها]

١ - أدلة القياس، كقوله تعالى: {فاعتبروا يا أولي الأبصار} (٤) والمأمور بالاعتبار، وهو القياس، المؤمنون، وأولهم النبي - صلى الله عليه وسلم -. فهو مأمور بالقياس. والبحث يستوفى في باب القياس. فمن أثبت القياس أصلاً في الشريعة لزمه القول به هنا.

٢ - قوله تعالى: {إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما


(١) ٤/ ١٨٤
(٢) أصول البزدوي ٣/ ٩٢٦ - ٩٣٣
(٣) تيسير التحرير ٤/ ١٩٠
(٤) سورة الحشر: آية ٢

<<  <  ج: ص:  >  >>