ومنه أيضاً ما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه:"أن مرثد بن أبي مرثد كان يحمل الأسارى بمكة. وكانت بمكة بغيّ يقال لها عَنَاق، وكانت صديقته. قال: فجئت النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقلت: يا رسول الله، أنكِحُ عناق؟ قال: فسكت عني، فنزلت {والزانية لا ينكحها إلا زانٍ أو مشرك} فدعاني فقرأها عليّ، وقال: لا تنكحها"(١).
[السكوت عن بعض الأحكام مع بيان بعض آخر]
قد يسأل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن حكم واقعة، أو تحدث الواقعة أمامه، فيبيّن لها حكماً أو أحكاماً، ثم لا يذكر حكماً آخر، فهل يدل سكوته عنه على انتفائه؟.
إن الأمر في هذا ينقسم قسمين:
القسم الأول: أن يكون المسكوت عنه قد تبيّن حكمه بدليل صحيح. وفي تلك الحال لا يكون سكوت عما سكت عنه حجة على انتفائه، بل يكون إحالة منه - صلى الله عليه وسلم - على الدليل. قال السمعاني:"يشترط أن يكون المسكوت عنه لم تشمله أدلة الشرع، فلو كان ذكر فيها، كما لو أُتي بزانٍ فأمر بالجلد ولم يذكر المهر والعدة ونحوه، فذاك مما لا يحتج به، لأن ذلك يحال به على البيان في غير [الـ] موضع".
القسم الثاني: أن يكون مما يتوهّم ثبوته، أو يتردّد فيه، لتعارض الأدلة. فينبغي أن يكون السكوت عنه دليل انتفائه.
ولنضرب لهذه المسألة مثالين:
المثال الأول: ما في حديث يعلى بن أمية: "أن رجلاً سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو بالجعرانة: كيف ترى في رجل أحرم بعمرة، في جبة، بعدما تضمخ بطيب؟ فنظر إليه النبي - صلى الله عليه وسلم - ساعة، ثم سكت. فجاءه الوحي .. فقال: أين السائل عن العمرة؟ أما الطيب الذي بك فاغسله، وأما الجبة فانزعها، وما كنت صانعاً في
(١) رواه أبو داود وهذا لفظه والترمذي (تفسير القرطبي ١٠/ ١٦٨).