للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[تخصيص العموم بفعله - صلى الله عليه وسلم -]

إذا ورد فعله - صلى الله عليه وسلم - مخالفاً في الحكم لمقتضى قول عام، كما نهى عن استقبال القبلة واستدبارها عند قضاء الحاجة، وثبت أنه فعل ذلك، فإن إمكان خروجه هو - صلى الله عليه وسلم - من حكم العام لا إشكال فيه. وأما بالنسبة إلى الأمة، فهل يصحّ أن يكون ذلك تخصيصاً في حقهم؟ كأن يقال في المثال المتقدّم بجواز الاستقبال والاستدبار في البنيان دون الصحراء، استدلالاً بالفعل.

هذه المسألة تنبني على حجية الفعل في حق الأمة:

فمن قال إن الفعل لا يدل في حق الأمة على شيء، منع التخصيص به في مخالفة العموم. وقد نقل نفي جواز التخصيص بالفعل عن الكرخي وبعض الشافعية. واشترط الكرخي للجواز تكرر الفعل، لأنه إذا فعله مرة واحدة احتمل أن يكون من خصائصه - صلى الله عليه وسلم - (١).

واشترط الغزالي أن يَدُلّ بالقول على أن الفعل بيان (٢).

ومن توقف في ذلك، توقف في التخصيص به.

وأما الذين قالوا في غير حال مخالفة العموم إن الفعل دليل في حق الأمة، وهو القول المختار، فلم يتفقوا على جواز التخصيص بالفعل في مخالفة العموم، بل ساروا في اتجاهين:

الاتجاه الأول: امتناع التخصيص بالفعل، ذهب إلى ذلك الآمدي، واختار الوقف (٣)، ووجه ذلك عنده أن عموم الأمر باتباع الأفعال والتأسّي بها، عارضه عموم القول المتقدم، وليس إبطال أحد العمومين عنده أولى من إبطال الآخر.

ونُقِل مثل هذا القول عن القاضي عبد الجبار (٤). وقال به أبو الحسين


(١) الزركشي: البحر المحيط ٢/ ١٤٦ ب.
(٢) المستصفى ٢/ ٢٨
(٣) الإحكام ٢/ ٤٨٢
(٤) العلائي: تفصيل الإجمال ق ٤٨ ب. أبو شامة: للمحقق ق ٤٧ أ.

<<  <  ج: ص:  >  >>