للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فأما ما علمنا حكمه في حقه بدليل، فينبغي أن يكون حكمنا فيه كحكمه. أخذاً من قاعدة المساواة في الأحكام، وقد تقدم إثباتها.

وأما ما لم نعلم حكمه في حقه - صلى الله عليه وسلم -، فما ظهر فيه أنه تركه تعبداً وتقرباً نحمله على الكراهة في حقه، ثم يكون الحكم في حقنا كذلك أخذاً من قاعدة المساواة، كتركه ردّ السلام على غير طهارة، حتى تيمّم (١).

وما لم يظهر فيه ذلك، نحمله على أنه من ترك المباح، كتركه السير في ناحية من الطريق، أو الجلوس في جهة من المسجد.

فعلى ما تقدم ذكره، لا فرق بين الفعل والترك في التأسيّ فيهما، وقد صرَّح الشوكانيّ بذلك فقال: "تركه - صلى الله عليه وسلم - للشيء كفعله له في التأسّي به فيه" (٢).

ويقول الجصّاص (٣)، وفيه تلخيص أحكام الترك "نقول في الترك كقولنا في الفعل. فمتى رأينا النبي - صلى الله عليه وسلم - قد ترك فعل شيء، ولم ندر على أي وجه تركه، قلنا تركه على جهة الإباحة. وليس بواجب علينا إلا أن يثبت عندنا أنه تركه على جهة التأثُّم بفعله، فيجب علينا حينئذٍ تركه على ذلك الوجه حتى يقوم الدليل على أنه مخصص به دوننا". وفي هذا القول منه بعض النظر يعلم مما بيّناه في هذا المبحث.

وقال ابن السمعاني: "إذا ترك - صلى الله عليه وسلم - شيئاً وجب علينا متابعته فيه" (٤) ومقصوده بالمتابعة المساواة في حكم الترك، كما تقرّر عندنا أن ذلك مراده بهذه العبارة في بحث الأفعال. وليس مقصوده أنه يجب علينا أن نترك ما ترك في جميع الأحوال.

فظاهر كلامهم التسوية بين الفعل والترك في مراتب التأسيّ.

تفريق القاضي عبد الجبار في التأسيّ بين الترك والفعل ومناقشتنا له في ذلك:

فرَّق القاضي عبد الجبار بين الترك وبين الفعل، في التأسّي بهما. فعنده أن


(١) رواه البخاري ١/ ٤٤١
(٢) إرشاد الفحول ص ٤٢
(٣) أصول الجصاص ق ٢١٠ ب.
(٤) الزركشي: البحر المحيط ٢/ ٢٦٠ أ.

<<  <  ج: ص:  >  >>