للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المطلب الأول أن لفعله صلى الله عليه وسلم عند الله تعالى حكماً شرعياً

وذلك أنه - صلى الله عليه وسلم - بش ر مكلّف كسائر المكلفين، إذ هو عبد مربوب، وقد نزل عليه الوحي آمراً وناهياً.

والذي قد يورد على هذا، أن يقال: ليس كل فعل فيه حكم شرعي، وإذا لم يكن في كل فعل حكم شرعي، احتمل أن يكون ما فعله - صلى الله عليه وسلم - صادراً عن العمل على مرتبة الإباحة العقلية، أي بناء على أن لا حكم في المسألة، فإذا استفيد من فعله حكم الفعل في حقنا، نسب ذلك إلى الشرع. فكانت الاستفادة خطأ.

والذي نقوله في هذه الشبهة: إنها لا يمكن إيرادها على أحكام الأفعال التي يُتَقَرَّبُ بها واجب ومندوب، وإنما على الأفعال التي يفعلها - صلى الله عليه وسلم - على درجة الإباحة، فتلك يحتمل فيها هذا القول. فمن قال بوجود مرتبة العفو في الشريعة، لزمه أن يقول إن تلك الأفعال لا تدل على الإباحة الشرعية، بل على الإباحة العقلية، أعني أن الفعل الذي فعله - صلى الله عليه وسلم - يكون خالياً عن حكم شرعي.

ومن نفى مرتبة العفو أصلاً لم يلزمه ذلك.

وقد تقدم الكلام في مرتبة العفو.

[المطلب الثاني أنه صلى الله عليه وسلم عالم بالحكم الشرعي في حق نفسه]

فقد ضمن له الله تعالى أن لا ينسى شيئاً من الكتاب الموحى إليه به، وضمن الله تعالى أن عليه بيانه لرسوله - صلى الله عليه وسلم -. فالأحكام الموحى بها إليه - صلى الله عليه وسلم - ظاهرة عنده لا تخفى. وهذا العنصر الهام هو أحد الدواعي التي تحدو بعلماء الملة إلى تتّبع أفعاله - صلى الله عليه وسلم - لأجل الاقتداء بها. وقد أشار إليه جابر بن عبد الله الأنصاري، رضي الله

<<  <  ج: ص:  >  >>