للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يتصدق. وكذلك التسوية بين أهل الطريقين، فقد يكون أحد الطريقين لا ساكن به. وأما إذا قلنا: سببه تحصيل الفضيلة بأبعد الطريقين، فذلك يقتضي أن لو رجع أيضاً في الطريق الأبعد لحصل الاقتداء. وإن قلنا: المعنى أن يشهد له الطريقان، فذلك باقٍ لا يتصور زواله.

ولكن إذا دار الفعل بين احتمالات كلها باقية فذلك يتأسّى به قطعاً ولا مجال للتردد، لحصول المصلحة قطعاً.

وكذلك إن دار بين احتمالات كلها زائلة بالنسبة إلى المقتدي، فلا يكون الفعل بالنسبة إليه من هذا القسم، بل من القسم السابق وهو ما زال حكمه. والله أعلم.

[استدراك آخر]

ما تقدم اختياره في أفعال هذا القسم هو ما كان الأصل في الفعل الإباحة، والسبب يقتضي فيه الاستحباب أو الوجوب، لولا ذلك السبب لكان من المباح. فيصح أن يقال حينئذٍ: يقتدى بفعله - صلى الله عليه وسلم - وإن جهل السبب.

أما إن كان أصل الفعل التحريم أو الكراهة والسبب يقتضي الإباحة أو غيرها، فإنه إن جهل السبب لم يصح الاقتداء. ومثال ذلك الرخصة التي تبيح المحرّم. فلو أنه - صلى الله عليه وسلم - أفطر في رمضان لسبب لا ندري ما هو، لم يصح الاقتداء به، وكذلك لو عاقب إنساناً لسبب لم ندره.

وحاصل هذه القاعدة، أن ما كان الأصل فيه المنع، فلا ننتقل عن هذا الأصل إذا صدر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فعل خارج عن ذلك لسبب لم يعلم.

وشبيه بذلك في الاستدلال بالأقوال، أن بَرِيرَةَ كانت أَمَةً مملوكة كاتَبَها أهلها، فأرادت عائشة أن تشتريها لتعتقها، وأراد أهلها أن يشترطوا أن يكون لهم ولاؤها بعد عتقها. وذكرت عائشة ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال: "اشتريها وأعتقيها واشترطي لهم الولاء، فإن الولاء لمن أعتق" (١).


(١) رواه مسلم ١٠/ ١٤٤ والبخاري ومالك في الموطأ.

<<  <  ج: ص:  >  >>