للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أولهما: البيان الواضح لكون الأسباب هي من وضع الله تعالى، فهو مسبّبها، وهو الذي جعل فيها تأثيراتها المعينة. وهذا لأنه تعالى خالق كل الأشياء، والجاعل فيها صفاتها وخصائصها. والقرآن مليء بهذا النوع من البيان. ومن أمثلته قوله تعالى: {إنا كل شيء خلقناه بقدر} (١)، وقوله: {والله جعل لكم مما خلق ظلالاً وجعل لكم من الجبال أكناناً وجعل لكم سرابيل تقيكم الحر وسرابيل تقيكم بأسكم} (٢).

وثانيهما: أنه لما كان الله تعالى هو مسبّب الأسباب، فإنها لا شكّ تحت تصرّفه وإرادته وقهره. فلو شاء أن يبطلها لأبطاها، بأن يفقدها نتائجها المحتومة، أو يوجد الأشياء من دون أسبابها المسنونة، كما قال للنار: {كوني برداً وسلاماً على إبراهيم} (٣) فأفقدها خاصية الإحراق، وكما أوجد عيسى من أم بلا أب.

إلّا أن هذا النوع من التصرف الإلهي نادر، وأما الأكثر الذي هو الأصل، فهو اطّراد السنن كما تقدم.

[أهداف خرق السنن الكونية بالمعجزة]

المعجزات التي يؤيّد الله بها أنبياءه خرق للسنن الكونية، لتكون حججاً لهم على العباد أنهم رسل الله، إذ إن السنن الكونية لا يخرقها إلّا الذي وضعها ورتبها وهو الله تعالى. فإذا جاء ذلك على يد من يدّعي على الله أن الله أرسله، كان بيّنة على صدقه، حين أجرى الله ذلك على يده، ولا يجريه على يد من يدّعي الرسالة كذباً عليه تعالى. ومن هنا فقد جاء أكثر رسل الله تعالى بمعجزات، أجريت على أيديهم، وشاهدها أقوامهم. كرّر الله تعالى ذكرها في كتابه، لتحصل الطمأنينة بصدقهم ويتم الانقياد لهم.

وقد يأتي خرق العادة إعداداً للنبي لتحمل تكاليف الدعوة، أو إظهاراً


(١) سورة القمر: آية ٤٩
(٢) سورة النحل: آية ٨١
(٣) سورة الأنبياء: آية ٦٩

<<  <  ج: ص:  >  >>