منها أن الفكرة يمكن تصويرها بالكتابة، على مهل، تصويراً منضبطاً لا ينتشر ولا يضيع.
وتتميّز أيضاً عن القول بثباتها، فإن رسم الكلمات إذا نُقِش بقي على ما هو عليه، ما لم تغيِّره يد قاصدة أو عوادي الزمن. ولذلك يمكن أن يفهمه الحاضر والغائب. والموجود عند كتابته ومن يوجد بعد كتابته بعصر أو عصور.
أما القول فإنه يزول حالاً بعد النطق به، ولا بدّ إذا أريد الإعلام به مرة أخرى من تكرير الجهد في تركيبه، أو أن يستعاد من الذاكرة. ولكنه قد يتغيّر في الحافظة دون قصد. ولم يمكن اختزان القول كما هو إلاّ في عصرنا الحاضر، عند اختراع وسائل التسجيل الصوتي.
وتتميّز الكتابة، ثالثاً، بأنه يمكن ترديد النظر فيها مرة بعد أخرى، حتى يحصل بها لدى القارئ صورة تكاد تكون مطابقة للصورة الحاصلة في ذهن الكاتب.
ومن أجل ذلك كانت الكتابة واسطة اتصال مهمةً بين أفكار البشر، في دائرة أوسع من دائرة القول من حيث الزمان والمكان، وكانت ذات فاعليّةٍ أساسية في نشر الحضارة، ونقلها من مكان إلى مكان، ومن جيل إلى جيل.
وقد امتنَّ الله تعالى على البشر بتعليمهم بالقلم، وأقسم بالقلم وما يسطرون من المكتوبات، فنبّه بذلك إلى قدرها وأثرها.
[المطلب الأول هل الكتابة قول أو فعل؟]
يختلف الأصوليون في التعبير عن الكتابة، فمنهم من يجعلها فعلاً من الأفعال، ومنهم من يجعلها قولاً، ومنهم من يجعلها قسيماً للقول والفعل.