للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الصلاة والحج واجبة، بناء على أنها بيان للواجب. بل أفعاله - صلى الله عليه وسلم - في هاتين العبادتين مختلطة واجبها بمندوبها غير متميزة، والعمدة في تمييز ذلك على الأدلة الأخرى. وينظر في كل فعل بخصوصه ما يحتفّ به من القرائن.

لقد كثر في كلام الفقهاء إيجاب كثير من أفعاله - صلى الله عليه وسلم - في الصلاة والحج اعتماداً على أن هذين الحديثين دليل على أن أفعال النبي - صلى الله عليه وسلم - في الصلاة والحج بيان للمجمل الواجب، ولا يوجبون أفعالًا منها كثيرة أخرى، حتى ليعجب الناظر من تفريقهم في ذلك.

والصواب إن شاء الله ما ذكرناه من أنّ أفعاله - صلى الله عليه وسلم - فيهما ليست مميزة للواجب من المندوب إلّا فعلاً خاصاً عليه دلالة خاصة، أنه بيان لذلك. والله أعلم.

[الاختلاف في أن ما ورد عليه الفعل مجمل أو غير مجمل]

إن الفعل إذا ورد وله علاقة بنص قرآني، فلا بد من اعتبار كون النصّ مجملًا حتى يكون الفعل بياناً له، فمن لم يُثْبِتْ أنه مجمل، لم يكن الفعل عنده بياناً. ويتبيّن ذلك بمثالين فرعيّين:

الأول: قوله تعالى في آية الوضوء: {وأيديكم إلى المرافق}، مع فعله - صلى الله عليه وسلم - في وضوئه، فإنه "أدار الماء على مرفقيه".

من العلماء من قال إن (إلى) مجمل، لأنه يكون بمعنى انتهاء الغاية، ويكون بمعنى (مع)، فهو مشترك، والمشترك مجمل، فجاء الفعل مبيناً أن (إلى) بمعنى (مع) دون معنى انتهاء الغاية، واقتضى ذلك وجوب غسل المرفقين (١).

ومنهم من قال إن (إلى) واضح، لانتهاء الغاية، وذلك بيّن، فلا يكون فعله - صلى الله عليه وسلم - بياناً (٢)، ويكون غسله - صلى الله عليه وسلم - لمرفقيه مندوباً.


(١) ابن قدامة: المغني ١٢٢/ ١ وانظر تيسير التحرير ٣/ ١٢٠، ١٢١
(٢) التقرير والتحبير ٢/ ٣٠٢ ابن دقيق العيد: الإحكام ٣٦/ ١

<<  <  ج: ص:  >  >>