للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقول ابن حجر هذا، فيه نظر، فقد ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - أناساً من أئمة الكفر كثيرين بألقاب الملك، وفي القرآن من ذلك أيضاً. فلم يكن ذلك اعترافاً لأحد منهم بشيء من الاستحقاق. فهي تعريفٌ لا اعتراف. وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "عظيم الروم" هو من هذا الباب. والله أعلم.

ومع هذا، يستدلّ بمثل هذه الأحاديث من جهة أنها أفعال نبويّة يقتدى بها. فيجوز للمسلم المخاطبة بمثل هذه الألفاظ لأمثال هؤلاء. ولعل ذلك إنما يجوز حيث يتعيّن، ولا يكون هناك معرّف سواه، وذلك لما فيه من الإيهام.

[المسألة الثانية: السكوت على ما يوهمه القول الجائز]

لو تكلّم متكلم بحضرة النبي - صلى الله عليه وسلم - بكلام ليس كذباً ولا إثم فيه، ولكن يلزم منه إساءة فهم حكم شرعي، فهل يجب عليه - صلى الله عليه وسلم - الإنكار، لئلا يسبق إلى الأذهان ما يخالف الحكم الشرعي؟.

ويمثل لهذه القاعدة بقصة المتلاعنين، عويمر العجلاني وامرأته. وفيها أنه بعد تمام اللعان: "طلقها ثلاثاً قبل أن يأمره النبي - صلى الله عليه وسلم -" (١). وسكت النبي - صلى الله عليه وسلم - على قوله هذا. فاحتجّ بعض الفقهاء بسكوته على لازم القول، وهو أن اللعان لم تقع به الفرقة، إذ لو وقعت به الفرقة لما كان للطلاق بعدها معنى. وهو قول الحنفية ورواية عن أحمد.

والرواية الأخرى عنه وقول المالكية والشافعية أن الفرقة وقعت باللعان (٢).

ولعلّ جواب هؤلاء عن الحديث أنه لا يبعد أن يكون الأمر واضحاً للحاضرين والمتلاعنين أيضاً، أن الفرقة واقعة باللعان. ولذلك ترك الإنكار عليه. وقد أشار إلى هذا الجواب ابن دقيق العيد في شرح الإلمام (٣).


(١) رواه الجماعة إلا الترمذي (نيل الأوطار ٦/ ٢٨٤).
(٢) المغني لابن قدامة ٧/ ٤١٠
(٣) البحر المحيط ٢/ ٢٥٨ أ.

<<  <  ج: ص:  >  >>