للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واجتمعت كلمة أهل مكة على الإسلام، لم يترك المسلمون الرَّمَل ولم يُعْلم خلاف بين أهل العلم في سنيته (١). والاضطباع سنّة كذلك عند الجمهور، وخالف فيه الإمام مالك. وعندما حجّ عمر بن الخطاب، وأتى المطاف، قال: "ما لنا وللرمل، إنما كنّا راعينا به المشركين" (٢) ثم قال: "شيء فعله رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، لا نحبّ أن نتركه". وفي رواية أبي داود: قال عمر بن الخطاب: "فيم الرَّمَلان والكشف عن المناكب وقد أطّأ الله الإسلام، ونفى الكفر وأهله؟ مع ذلك لا ندع شيئاً كنا نفعله مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -". وذلك يدل على المطلوب.

وقد نقل السبكي في قواعده (٣) القولين، ومثّل للمسألة برجوعه - صلى الله عليه وسلم - في صلاة العيد في طريقٍ آخر. ثم ذكر المعاني المحتملة لذلك، ثم قال: "إن رجح معنىً مما ذكر، فمن وجد فيه ذلك المعنى كان مستحبّاً في حقه، ومن لم يوجد فيه فوجهان، والأصح الاستحباب".

وهذا من السبكي يقتضي ترجيح القول الثاني، وهو قول ابن أبي هريرة أن الفعل النبوي يقتدى به، ولا يعتبر السبب.

[رأينا في هذه المسألة]

الذي نراه ترجيح القول الأول، وهو أن الفعل إذا زال سببه، فلا يتّبع، لأن الفعل الذي فُعِل لغرض، إنما يكون اتباعه لتحصيل ذلك الغرض. فإن علم أنه لا يحصل، فإن فعل مثله لا يكون اتباعاً وتأسيِّاً، وإنما يكون غفلة ومخالفة.

وأيضاً فإن السببية حكم شرعي، فإن كان الشيء مما لا يفعل إلا عند السبب لم يجز فعله بعد زوال السبب.

ونستدل لذلك أيضاً بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - خلع نعليه في الصلاة فخلعوا نعالهم. فلما سلم قال لهم: "لم خلعتم نعالكم؟ " قالوا: رأيناك خلعت نعليك فخلعنا


(١) ابن قدامة: المغني ٣/ ٣٧٣
(٢) جامع الأصول ٤/ ١٢
(٣) قواعد السبكي ق ١١٥، أ، ب.

<<  <  ج: ص:  >  >>