للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فمثل هذه الاحتمالات، ليست مرادة بهذه المسألة، ولا يقال إن الحكم يعمها، ومثال ذلك من السنة أن أنصارياً وطئ زوجته في رمضان، وأخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - بذلك، فأوجب عليه الكفارة. فجمهور الفقهاء جعلوا الكفارة على المتعمّد لذلك دون الناسي. قالوا وليس ترك الاستفصال هنا منزّلاً منزلة العموم في المقال "لأن حالة النسيان بالنسبة إلى الجماع، ومحاولة مقدماته، وطول زمانه، وعدم (اعتياده) في كل وقت، مما يبعد جريانه في حالة النسيان، فلا يحتاج إلى الاستفصال بناء على الظاهر" (١). وخالف في ذلك أحمد وبعض المالكية فقد تمسّكوا بالقاعدة حتى في هذه الحال (٢)، فأوجبوا الكفارة على المجامع ناسياً صومه.

وبناء على ما تقدم ينبغي تحرير القاعدة كما يلي:

"ترك النبي - صلى الله عليه وسلم - الاستفصال، في وقائع الأحوال، مع قيام الاحتمال، ينزل منزلة العموم في المقال، إلا إذا تبيّن علمه بالحال، أو كان الاحتمال لندرته مما يعزب عن البال" والله أعلم.

[فروع تنبني على هذه القاعدة]

الفرع الأول: من أسلم على أختين (٣):

في الحديث عن فيروز قال: "أسلمت وعندي امرأتان أختان، فأمرني النبي - صلى الله عليه وسلم - أن أطلق إحداهما" (٤).

ذهب مالك والشافعي وأحمد إلى أن من أسلم ومعه أختان، وجب عليه أن يفارق واحدة منهما، ويمسكُ من اختارها.

ومذهب أبي حنيفة، وهو قول للشافعي: إنه ليس مخيراً في ذلك، بل يجب عليه أن يفارق التي تأخّر عقدها منهما. فإن كان عقد عليهما معاً بطل. وأجاب من احتجّ لأبي حنيفة عن الاستدلال بالحديث المذكور، بأنه في واقعة حال؛ فيحتمل أن فيروز كان تزوجهما في عقد واحد، وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد علم بالواقعة.


(١) ابن دقيق العيد: شرح العمدة ٢/ ١١
(٢) ابن حجر: فتح الباري ٤/ ١٦٤
(٣) نيل الأوطار ٦/ ١٧٠
(٤) رواه الخمسة إلا النسائي (نيل الأوطار ٦/ ١٧٠)

<<  <  ج: ص:  >  >>