إنه كما تقدم إيضاحه، قد اختلف في الفعل هل يقوى على نسخ القول أم هو أضعف من أن ينسخه؟ والذي ينبغي أن يقال: إن من أجاز نسخ القول بالفعل يلزمه إجازة نسخ القياس بالفعل، ومن أجاز نسخ القول بفعل من نوع خاص -كالفعل البياني- مثلاً- دون ما عداه، يلزمه إجازة نسخ القياس بذلك النوع. ومن عزل الفعل كله -أو نوعاً منه كالمجرد- عن الدلالة، يلزمه عدم إجازة نسخ القياس به.
القول الثاني: إن القياس يعمل به إذا عارض السنة، فتنسخ به السنة المتواترة وغيرها. وقيل تنسخ به السنة الآحادية فقط، وقيل إن كانت علته منصوصة لا مستنبطة. وقال الصفي الهندي: محلّ الخلاف في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - وأما بعده فلا ينسخ به باتفاق.
فعلى هذا القول ينبغي أن يجوز نسخ حكم الفعل النبوي بالقياس من باب أولى.
[قولنا في المسألة]
إننا بناء على قول الجمهور، من امتناع نسخ السنة بالقياس، نرى ما يلي:
١ - القياس الجلي -ونعني به القياس بنفي الفارق- إن عارض الفعل البياني، يقدم الفعل البياني مطلقاً، كتقديم القول على القياس.
٢ - أما القياس الجلي إن عارض الفعل المجرد، فلا ينبغي أن يشك في جواز نسخه لحكم الفعل المجرد، لأن حكم الفعل المجرد يتعدى إلينا بطريق القياس الجلي. كما تقدم إيضاحه. فيتعارض قياسان من نوع واحد، فينسح آخرهما أولهما.
٣ - أما قياس العلة إذا خالف الفعل البياني، فعلى الخلاف المذكور في نسخ القول بالقياس. لأن الفعل البياني بدرجة القول ولا فرق بينهما، والذي ينبغي أن يقدم الفعل البياني على القياس.
٤ - وأما قياس العلة إذا خالف الفعل المجرّد فإنه لضعف دلالته محل النظر،