للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[أدلة القائلين بالندب]

القائلون بالندب في الفعل المجرّد بأنواعه، استدلوا بما ورد في الشريعة من طلب التأسّي بالنبي - صلى الله عليه وسلم - والاتباع له، ومن فعل الصحابة (١) وقالوا: إن الشرع طلب التأسي لا على سبيل الوجوب، فلا يبقى إلا أنه دال على الندب. واستدلوا على انتفاء الوجوب بانتفاء دليل يحتّم التأسِّي. وحاولوا رد أدلة القائلين بالوجوب بما نذكره في المطلب التالي.

واستدلوا على انتفاء الوجوب أيضاً بأمور (٢):

الأول: أن الفعل أضعف دلالة من القول، والقول يدل على الوجوب، فينبغي أن لا يكون الفعل دالاً عليه، بل على الندب (٣).

ويجاب عن ذلك بأنه لا يلزم من كونه أضعف دلالة خروجه من دائرة الدلالة على الوجوب.

الثاني: حديث أبي هريرة، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال: "كل أمتي يدخلون الجنّة إلا من أبى" قالوا: ومن يأبى يا رسول الله؟ قال: "من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى" (٤). قالوا: والطاعة والعصيان إنما هي بالنسبة إلى القول دون الفعل. فدل على أن الوجوب مستفاد من القول دون الفعل (٥).

ويجاب بأنه إذا أمر بالقول باتباع فعله، فلم يتّبع، كان عصياناً.

سلمنا أن الطاعة اتِّباع مقتضى القول، والعصيان مخالفته، لكن ليس في الحديث تعرّض للفعل أصلاً. ولو دلّ هذا الحديث على عدم الوجوب، بالفعل


(١) تقدم إيضاح ذلك في الفصل الثالث.
(٢) لم نر أحداً تتبع هذه الأحاديث بالرد على استدلال ابن حزم وأبي شامة بها إلا قليلاً. وقد رددنا عليهما بما يسره الله.
(٣) أبو شامة: المحقق ق ١٥ ب.
(٤) البخاري ١٣/ ٢٤٩
(٥) أبو شامة: المحقق ق ١٥ ب.

<<  <  ج: ص:  >  >>