وأما الإباحة فأنه يباح لنا مثل فعله - صلى الله عليه وسلم -، ولا يجب ولا يندب.
وأما التحريم، فمعناه أنه لا يجوز لنا فعل مثل شيء من أفعاله المجرّدة.
وأما الوقف، فمعناه أنا لا نحكم على فعلنا المماثل لفعله - صلى الله عليه وسلم - بحكم ما. سواء جهلنا حكم فعله أوعلمناه.
[منشأ الاختلاف]
هذه الأقوال الآنفة الذكر تتجه اتجاهين رئيسين، ثم يتشعبان:
الاتجاه الأول: أن التأسّي به - صلى الله عليه وسلم - في أفعاله المجردة مطلوب شرعاً بدلالة ما تقدم ذكره في فصل حجية الأفعال النبوية، من الآيات والأحاديث والإجماع، الدالّة على مشروعية الاتّباع والتأسي.
والاتجاه الثاني: أن التأسيّ به - صلى الله عليه وسلم - فيها غير مطلوب شرعاً. ووجهه أنه وإن ثبتَتْ حجية الأفعال النبوية، إلّا أن مانعاً منع من التأسي بالفعل المجرّد، وذلك المانع هو احتمال الخصوصية، فكيف يُتَأسّى به - صلى الله عليه وسلم - في أمر قد يكون من خواصّه، فنكون قد أوجبنا ما لا يجب علينا أو أبحنا ما لا يباح لنا.
وأورد بعضهم، أيضاً، احتمالَ أن يكون فعله - صلى الله عليه وسلم - معصية، على قول من يجيز صدور الصغائر عن الأنبياء. كما تقدم في الفصل الثالث. قالوا: وذلك مانع من الاقتداء.
ثم تشعب أصحاب الاتجاه الأول شعبتين، بحسب تفسيرهم للتأسيّ المطلوب شرعاً:
الشعبة الأولى: قالوا: التأسّي واجب، ومعنى التأسّي عندهم هو مساواة الفعل للفعل، في الصورة والحكم. وهؤلاء أصحاب القولين الأول والثاني، (المساواة المطلقة والمقيدة).
والشعبة الثانية: قالوا التأسّي هو المساواة في الصورة دون الحكم. ثم تفرع هؤلاء فرعين: