للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

علم من حاله - صلى الله عليه وسلم -، إذ كان لا يكرّر على الكفار والمشركين الإنكار في كل يوم وكل حال. وإنما قد بيّن لهم ما حصل به البيان الكافي، القاطع للعذر، وقاتلهم حتى أعطوا الجزية وهم صاغرون، فلو تركهم بعد ذلك لم يُظَنَّ أنّ الحكم قد تغيّر.

إلاّ أن هذا النوع خارج عن الإقرار الذي يحتجّ به. فإن شرطه أن يكون المَقرّ مسلماً ملتزماً، وفي المنافق خلاف. فكيف يَترك المسلمَ الملتزمَ المطيع المتّبع، يفعل المنكر، فلا ينهاه عنه.

ولو سُلِّم أن الإقرار على مثل ذلك جائز في بعض الأحوال، لوجب افتراض أن ذلك نادر (١)، خاصة وأن أصحابه - صلى الله عليه وسلم - أبرّ هذه الأمة قلوباً، وأسرعها امتثالاً لأمر نبيّها، الذين شهدوا برسالته، وبذلوا أنفسهم لله في طاعته.

فإذا كان كذلك فالنادر لا حكم له، والحكم للأعمّ الأغلب. والله أعلم.

[درجات التقرير من حيث القوة]

قد يقترن بالتقرير ما يقوّي دلالته على الموافقة والرضا. فيكون على درجات:

١ - فأعلاه أن يقترن به الثناء على الفعل، ومدح فاعله. كقوله: "إنّ الأشعريّين إذا أرملوا في الغزو، أو قلّ طعام عيالهم بالمدينة، جعلوا ما كان عندهم في ثوب واحد، ثم اقتسموه بينهم في إناء واحد بالسوية، فهم مني وأنا منهم" (٢). ولمّا قال معاذ: "أقضي بكتاب الله، ثم بسنة رسول الله، ثم أجتهد رأيي" (٣). قال - صلى الله عليه وسلم -: "الحمد لله الذي وفّق رسول رسول الله".

٢ - ودون ذلك أن يساعد على العمل، ويقوم فيه بدور. ومثاله قيامه - صلى الله عليه وسلم - مع عائشة لتنظر إلى الحبشة وهم (يزفنون) (٤) في المسجد يوم العيد. فقد قام لها، وخدّها على كتفه ليسترها ويمكّنها من رؤيتهم، والنظر إلى زفنهم.


(١) انظر الآمدي: الإحكام ١/ ٢٧١
(٢) رواه مسلم ١٦/ ٦ والبخاري.
(٣) مسند أحمد ٥/ ٢٣٦، ٢٤٢
(٤) الزفن: الرقص.

<<  <  ج: ص:  >  >>