للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

محرمة بل مكروهة. وقال ابن حجر: "الأقرب أن النياحة كانت مباحة، ثم كرهت كراهة تنزيه، ثم حرّمت" (١).

والأولى عندي أن يقال: إن بعض المكروهات ينتقل بالبيعة عليه إلى التحريم على المبايع. إذ لو كان الحكم قبل البيعة كالحكم بعدها لما أخرت البيعة إلى أن انقضت مهمتها. وقد ورد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بايع بعض أصحابه: "أن لا يسألوا الناس شيئاً" فيصح قول من قال: النياحة مكروهة لغير المبايعات. وإنما يصح هذا على قول من يجيز الإقرار على المكروه. والله أعلم.

كيفية معرفة حكم الفعل المقرّ عليه:

إن ما أقرّ النبي - صلى الله عليه وسلم - عليه غيره، يعيّن حكمه على الطريقة التي تقدمت في الأفعال الصريحة. فإن كان الفعل امتثالاً لإيجاب فأقرّه على صفة معينة، فإن الإقرار يدل على الإجزاء، على تلك الصفة، ومثاله: "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لأصحابه (٢) بعد انصراف الأحزاب: لا يصلينَّ أحد منكم العصر إلّا في بني قريظة. فأدرك بعضَهم العصرُ في الطريق. فقال بعضهم: لا نصلي حتي نأتيهم. وقال بعضهم بل نصلّي ولم يرد منا ذلك. فذكر ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - فلم يعنِّف واحداً منهم".

فهو دليل على أن ما فعَلوا كان سائغاً لهم. وقد اختلف في علّة هذا التقرير. وقال السهيلي: "فيه دليل على أنه لا يعاب الأخذ بالظواهر، ولا على من استنبط من النصّ معنىً يخصصه" (٣).

وإن كان الفعل امتثالًا لاستحباب، دلّ على الصحة كذلك.

وإن لم يتبيّن فيه أنه امتثال نُظِر فيه، فإن كان على وجه التعبّد، دلّ على صحّة التعبّد بذلك الفعل، فإن التعبّد توقيفي، ولا يجوز التعبّد بما لم يشرع التعبّد


(١) انظر: فتح الباري ٨/ ٦٣٩
(٢) البخاري ٧/ ٤٠٨
(٣) فتح الباري ٧/ ٤٠٩

<<  <  ج: ص:  >  >>