للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

به، كالإختصاء مثلاً. قال سعد بن أبي وقاص: "ردَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - التبتّل على عثمان بن مظعون، ولو أذن له لاختصينا" (١) وكالقيام في الشمس لله، نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - (٢) عنه أبا إسرائيل.

ولا يجوز حمل التعبّد المقَر عليه، من هذا النوع، على مرتبةٍ أعلى من الاستحباب.

وإن لم يكن على وجه التقرب به لله، وجب حمل الفعل على الإباحة. ومن ذلك ما أقرّهم النبي - صلى الله عليه وسلم - عليه من البيوع والإجارات والشركات والوكالات، والضرب في الأرض والصيد، والاحتشاش، وغير ذلك. وكأنواع المآكل التي رآهم يأكلونها. والملابس والهيئات التي كانوا يتخذونها، إلى غير ذلك.

وقد قال الزركشي في البحر المحيط: "إذا تضمّن التقرير رفع الحرج فهل يحمل على الإباحة، أو لا يقضى بكونه مباحاً أو واجباً أو مندوباً بل يتوقف فيه؟ " (٣). قال: "ذهب القاضي (الباقلاني) إلى الثاني، وذهب ابن القشيري إلى الأول".

والذي اخترناه فيما ليس على وجه القربة، هو القول الأول، وهو قول القشيري. أمّا الباقلاني فقد ذهب إلى الوقف كذلك في الفعل المجرّد، وقد سبق الردّ عليه فيه، فكذلك يُرَدّ عليه مذهبه في التقرير.

ثم إذا تبيّن أن التقرير يدلّ على الجواز، فإن كان قد سُبِق بنهي عام. فإن التقرير يدل على نسخه أو تخصيصه، على ما يأتي في باب التعارض إن شاء الله.

وقد يقال: إن هذه الأشياء على الإباحة، وهي الأصل، فلو لم يرد أنه - صلى الله عليه وسلم - أقرّ عليها بأعيانها لحكمنا بإباحتها، فما فائدة التقرير؟.

وقد ذكرنا الجواب عن مثل هذا السؤال في باب الأفعال الصريحة (٤)، فليرجع إليه.


(١) البخاري ٩/ ١١٧ ومسلم ٩/ ١٧٦
(٢) البخاري ١١/ ٥٨٦ وأبو داود ومالك.
(٣) ق٢/ ٢٥٦ ب.
(٤) انظر المطلب الثالث من الفصل السادس.

<<  <  ج: ص:  >  >>