للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فعلى هذا القول: ليس كل من رأى شخصاً قيل له إنه رسول الله، قد رآه حقّاً.

[أخذ الأحكام الشرعية من فعله - صلى الله عليه وسلم - في الرؤيا]

ظاهر قوله - صلى الله عليه وسلم -: "إن الشيطان لا يتمثّل بي" أن قوله وفعله في المنام بدرجة قوله وفعله في اليقظة، بل أقوى، لقلة الوسائط، وخاصّة بالنسبة إلى الرائي نفسه.

ولكن لو كان كذلك، وجب تقديم ذلك على ما نقل إلينا من الشريعة. وقد نقل الشوكاني عن أبي إسحاق: "أن رؤيته - صلى الله عليه وسلم - في المنام حجة" (١).

وقد أبى جمهور العلماء هذه الطريقة، واتفقوا على أن أي شيء مما ينتج عن الرؤيا إذا خالف الشريعة مردود، وإن وافقها، فهو أمارة يؤتنس بها. وإن لم يوافقها ولم يخالفها جاز العمل بها، كما يعمل بأنواع الخواطر السانحة والإلهامات. فلا بدّ من عرضها على الشريعة على كل حال.

وأجابوا عن الحديث بأجوبة:

منها: ما ذهب إليه النووي: أن الرائي وإن كانت رؤياه حقاً، ولكن لا يجوز إثبات حكم شرعي بما جاء فيها، قال: "لأن حالة النوم ليست حالة ضبط وتحقيق لما يسمعه الرائي. وقد اتفقوا على أن من شروط من تقبل روايته وشهادته أن يكون متيقظاً لا مغفّلاً ولا كثير الخطأ، ولا مختلّ الضبط. والنائم ليس بهذه الصفة" (٢).

ومنها: ما ذهب إليه ابن الحاجّ: "أن الله لم يكلّف عباده بشيء مما يقع لهم في منامهم لقوله - صلى الله عليه وسلم -: رفع القلم عن ثلاثة ... عدّ منهم "النائم حتى يستيقظ" لأنه إذا كان نائماً فليس من أهل التكليف، فلا يعمل بشيء يراه في نومه" (٣).


(١) إرشاد الفحول ص ٢٤٩
(٢) المصدر السابق ص ٣٠٠
(٣) عزت عيد عطيه: البدعة ص ٢٩٩

<<  <  ج: ص:  >  >>