للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالشفعة للجار. وقد اختلف فيها على قولين، وسوف نبيّن مبنى الخلاف فيها في الباب التالي في الفصل الثالث منه إن شاء الله.

الأول: أنها عبارة عن فعل صدر عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. فعلى هذا لا يصح فيها دعوى العموم، كما قدّمناه في سائر الفعل المثبت.

الثاني: وهو الأصوب، أنها عبارة عن قول صدر منه - صلى الله عليه وسلم -. فإن الراوي سمع لفظاً هو: آمركم بكذا، أو: افعلوا كذا، أو: أنهاكم عن كذا، أو: لا تفعلوا كذا، أو نحو ذلك. فعبّر عنه بما ذكر. وقد اختلف فيها القائلون بذلك: هل يجوز أن تدل على عموم أم لا. وعلى هذا المذهب يكون هذا النوع خارجاً عن باب الأفعال النبوية، فلا نستطرد إليه. فليرجع إليه في مظانه من كتب الأصول (١)، في مباحث الأقوال.

[المسألة الثانية]

(كان يفعل) والمراد به الفعل المضارع الذي دخلت عليه كان إذا عبّر به الصحابي عن شيء من أفعال النبي - صلى الله عليه وسلم -، فهل هي دالّة على مجرد وقوع الفعل، أم على التكرار والمواظبة، وهل تدل على العموم؟.

[١ - التكرار]

أما دلالتها على التكرار، فذلك واضح لا خفاء به، وقال ابن دقيق العيد: "يقال: كان يفعل كذا، بمعنى أنه تكرر منه فعله وكان عادة له، كما يقال: كان فلان يقري الضيف" (٢).

وقد اختلف الأصوليون من أين جاءت الدلالة على التكرار: فقيل من (كان)، وهو ظاهر كلام الشاطبي (٣). إذ أورد حديث عائشة: "كان - صلى الله عليه وسلم - يصلي العصر والشمس في حجرتها" (٤). ثم قال: لفظ (كان) فعل يقتضي الكثرة". وبه قال ابن الحاجب (٥).


(١) انظر مثلاً: إرشاد الفحول للشوكاني ص ١٢٥، الزركشي: البحر المحيط: ٢/ ٦٠
(٢) أحكام الإحكام ١/ ٩٠
(٣) الموافقات ٣/ ٥٩
(٤) البخاري ٢/ ٦ ومسلم ٥/ ١٠٨
(٥) وقد ذكرت فيه الأقوال الثلاثة جميعاً.

<<  <  ج: ص:  >  >>